للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خُرُوجِ الدَّجَّالِ مِنْ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ الْجَسَّاسَةِ لَا دَلِيلَ فِيهِ ; لِأَنَّ الدَّجَّالَ أَخْرَجَهُ دَلِيلٌ صَالِحٌ لِلتَّخْصِيصِ، وَهُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ لَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّهُ حَدَّثَهُ بِهِ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ، وَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ حَدِيثُ تَمِيمٍ الْمَذْكُورُ ; لِأَنَّهُ وَافَقَ مَا كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ أَصْحَابَهُ مِنْ خَبَرِ الدَّجَّالِ، قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ وَاللَّفْظُ لِعَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ جَدِّي عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُرَيْدَةَ حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيُّ شَعْبُ هَمْدَانَ، أَنَّهُ سَأَلَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ فَقَالَ: حَدِّثِينِي حَدِيثًا سَمِعْتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُسْنِدِيهِ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ، فَقَالَتْ لَئِنْ شِئْتَ لَأَفْعَلَنَّ؟ فَقَالَ لَهَا: أَجَلْ؟ حَدِّثِينِي، فَقَالَتْ:. . . ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ طُولٌ، وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنْهُ قَوْلُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا، وَأَشَدُّهُ وَثَاقًا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ، قُلْنَا: وَيْلَكَ! مَا لَكَ؟ ! الْحَدِيثُ بِطُولِهِ إِلَى قَوْلِهِ وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ، فَلَا أَدَعُ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطِيبَةَ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَى كِلْتَاهُمَا، الْحَدِيثَ.

فَهَذَا نَصٌّ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الدَّجَّالَ حَيٌّ مَوْجُودٌ فِي تِلْكَ الْجَزِيرَةِ الْبَحْرِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّهُ بَاقٍ وَهُوَ حَيٌّ حَتَّى يَخْرُجَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَهَذَا نَصٌّ صَالِحٌ لِلتَّخْصِيصِ يُخْرِجُ الدَّجَّالَ مِنْ عُمُومِ حَدِيثِ مَوْتِ كُلِّ نَفْسٍ فِي تِلْكَ الْمِائَةِ، وَالْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ فِي الْأُصُولِ: أَنَّ الْعُمُومَ يَجِبُ إِبْقَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ، فَمَا أَخْرَجَهُ نَصٌّ مُخَصِّصٌ خَرَجَ مِنَ الْعُمُومِ وَبَقِيَ الْعَامُّ حُجَّةً فِي بَقِيَّةِ الْأَفْرَادِ الَّتِي لَمْ يَدُلَّ عَلَى إِخْرَاجِهَا دَلِيلٌ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِرَارًا وَهُوَ الْحَقُّ وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ غَالِبُ مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنَ الْعُمُومَاتِ يَخْرُجُ مِنْهَا بَعْضُ الْأَفْرَادِ بِنَصٍّ مُخَصِّصٍ، وَيَبْقَى الْعَامُّ حُجَّةً فِي الْبَاقِي، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ فِي مَبْحَثِ التَّخْصِيصِ بِقَوْلِهِ:

وَهُوَ حُجَّةٌ لَدَى الْأَكْثَرِ إِنْ ... مُخَصِّصٌ لَهُ مُعَيَّنًا يَبِنْ

وَبِهَذَا كُلِّهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ النُّصُوصَ الدَّالَّةَ عَلَى مَوْتِ كُلِّ إِنْسَانٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فِي ظَرْفِ تِلْكَ الْمِائَةِ، وَنَفْيِ الْخُلْدِ عَنْ كُلِّ بَشَرٍ قَبْلَهُ تَتَنَاوَلُ بِظَوَاهِرِهَا الْخَضِرَ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا نَصٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>