للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَغَيْرِهِمْ بِلَفْظِ «نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ» فَقَدْ أَنْكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِخُصُوصِ لَفْظِ «نَحْنُ» لَكِنْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ «إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ.» الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي مُسْنَدِ الْحُمَيْدِيِّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَهُوَ مِنْ أَتْقَنِ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِيهِ، وَأَوْرَدَهُ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِنَحْوِ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ مِنْ رِوَايَةِ أَمِّ هَانِئٍ عَنْ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ بِلَفْظِ «إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يُورَثُونَ» انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ، وَقَدْ رَأَيْتُ فِيهِ هَذِهِ الطُّرُقَ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيحُ بِعُمُومِ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إِنَّ إِنْكَارَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ إِلَّا بِالنِّسْبَةِ لِخُصُوصِ لَفْظِ «نَحْنُ» وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ الَّتِي أَشَارَ لَهَا يَشُدُّ بَعْضُهَا، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْبَيَانَ يَصِحُّ بِكُلِّ مَا يُزِيلُ الْإِشْكَالَ وَلَوْ قَرِينَةٌ أَوْ غَيْرُهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ مُوَضَّحًا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ، وَعَلَيْهِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْنَا تُبَيِّنُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «لَا نُورَثُ» أَنَّهُ يَعْنِي نَفْسَهُ، كَمَا قَالَ عُمَرُ وَجَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ الْمَذْكُورَةُ، وَالْبَيَانُ إِرْشَادٌ وَدَلَالَةٌ يَصِحُّ بِكُلِّ شَيْءٍ يُزِيلُ اللَّبْسَ عَنِ النَّصِّ مِنْ نَصٍّ أَوْ فِعْلٍ أَوْ قَرِينَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ فِي تَعْرِيفِ الْبَيَانِ وَمَا بِهِ الْبَيَانُ:.

تَصْيِيرُ مُشْكَلٍ مِنَ الْجَلِيِّ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى النَّبِيِّ إِذَا أُرِيدَ فَهْمُهُ وَهْوَ بِمَا مِنَ الدَّلِيلِ مُطْلَقًا يَجْلُو الْعَمَا وَبِهَذَا الَّذِي قَرَّرْنَا تَعْلَمُ: أَنَّ قَوْلَهُ هُنَا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ، يَعْنِي وِرَاثَةَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ لَا الْمَالِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ الْآيَةَ [٢٧ \ ١٦] ، فَتِلْكَ الْوِرَاثَةُ أَيْضًا وِرَاثَةُ عِلْمٍ وَدِينٍ، وَالْوِرَاثَةُ قَدْ تُطْلَقُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى وِرَاثَةِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا الْآيَةَ [٣٥ \ ٣٢] ، وَقَوْلِهِ: وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ [٤٢ \ ١٤] ، وَقَوْلِهِ: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ الْآيَةَ [٧ \ ١٦٩] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَمِنَ السُّنَّةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ» ، وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ وَالسُّنَنِ، قَالَ صَاحِبُ) تَمْيِيزُ الطَّيِّبِ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>