للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَتَقْدِيرُهُ، الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَلَا مَحَالَةَ أَنْ تَلِدَ الْغُلَامَ الْمَذْكُورَ، وَقِيلَ، الْأَمْرُ كَذَلِكَ أَنْتَ كَبِيرٌ فِي السِّنِّ، وَامْرَأَتُكَ عَاقِرٌ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: قَالَ رَبُّكَ [١٩ \ ٩] ، ابْتِدَاءُ كَلَامٍ:

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ «كَذَلِكَ» فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِـ «قَالَ» وَعَلَيْهِ فَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ «ذَلِكَ» إِلَى مُبْهَمٍ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ، وَنَظِيرُهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ [١٥ \ ٦٦] ، وَغَيْرُ هَذَيْنِ مِنْ أَوْجُهِ إِعْرَابِهِ تَرَكْنَاهُ لِعَدَمِ وُضُوحِهِ عِنْدَنَا، وَقَوْلُهُ: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ، أَيْ: يَسِيرٌ سَهْلٌ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا أَيْ: وَمَنْ خَلَقَكَ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُرْزُقَكَ الْوَلَدَ الْمَذْكُورَ كَمَا لَا يَخْفَى، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُنَا لِزَكَرِيَّا: مِنْ أَنَّهُ خَلَقَهُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا أَشَارَ إِلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ: أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا [١٩ \ ٦٧] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [٧٦ \ ١] .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَلَمْ تَكُ شَيْئًا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا [٢٤ \ ٣٩] ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ: إِنَّ الْمَعْدُومَ الْمُمْكِنَ وُجُودُهُ شَيْءٌ، مُسْتَدِلِّينَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [٣٦ \ ٨٢] ، قَالُوا: قَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ شَيْءٌ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَلِأَجْلِ هَذَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، أَوْ لَيْسَ شَيْئًا يُعْتَدُّ بِهِ، كَقَوْلِهِمْ: عَجِبْتُ مِنْ لَا شَيْءَ، وَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَضَاقَتِ الْأَرْضُ حَتَّى كَانَ هَارِبُهُمْ ... إِذَا رَأَى غَيْرَ شَيْءٍ ظَنَّهُ رَجُلًا

لِأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ: غَيْرَ شَيْءٍ، أَيْ: إِذَا رَأَى شَيْئًا تَافِهًا لَا يُعْتَدُّ بِهِ كَأَنَّهُ لَا شَيْءَ لِحَقَارَتِهِ ظَنَّهُ رَجُلًا ; لِأَنَّ غَيْرَ شَيْءٍ بِالْكُلِّيَّةِ لَا يَصِحُّ وُقُوعُ الرُّؤْيَةِ عَلَيْهِ، وَالتَّحْقِيقُ هُوَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ وَأَمْثَالُهَا فِي الْقُرْآنِ: مِنْ أَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ؟ وَالْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْآيَةِ: أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْدُومَ لَمَّا تَعَلَّقَتِ الْإِرَادَةُ بِإِيجَادِهِ، صَارَ تَحَقُّقُ وُقُوعِهِ كَوُقُوعِهِ بِالْفِعْلِ، كَقَوْلِهِ: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ [١٦ \ ١] ، وَقَوْلِهِ: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ [١٨ \ ٩٩] ، وَقَوْلِهِ: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ الْآيَةَ [٣٩ \ ٦٩] ،

<<  <  ج: ص:  >  >>