اعْتَذَرَ بِهِ أَصْحَابُنَا مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَعْصُومًا مِنَ الْكِبْرِ ; لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَئِمَّةِ يُوجَدُونَ لَا كِبْرَ عِنْدِهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَهُ بِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْمِنْبَرِ كَانَ يَسِيرًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: سَنَتَكَلَّمُ هُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ، وَنُبَيِّنُ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَدِلَّتَهُمْ وَمَا يَظْهَرُ رَجَّحْنَاهُ بِالدَّلِيلِ.
أَمَّا الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْقُرْطُبِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ فَقَدْ سَاقَهُمَا أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ وَأَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِيُّ الْمَعْنَى قَالَ: ثَنَا يَعْلَى، ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ: أَنَّ حُذَيْفَةَ أَمَّ النَّاسَ بِالْمَدَائِنِ عَلَى دُكَّانٍ، فَأَخَذَ أَبُو مَسْعُودٍ بِقَمِيصِهِ فَجَبَذَهُ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو خَالِدٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ بِالْمَدَائِنِ، إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْأَخِيرَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الرَّاوِيَ فِيهِ عَنْ عَمَّارٍ رَجُلٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ كَمَا تَرَى، وَأَمَّا الْأَثَرُ الْأَوَّلُ فَقَدْ صَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَرُوِيَ مَرْفُوعًا صَرِيحًا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي) التَّلْخِيصِ (فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَثَرِ وَالْحَدِيثِ الْمَذْكُورَيْنِ: وَيُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ: أَنَّ حُذَيْفَةَ أَمَّ النَّاسَ بِالْمَدَائِنِ عَلَى دُكَّانٍ فَأَخَذَ أَبُو مَسْعُودٍ بِقَمِيصِهِ فَجَبَذَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صِلَاتِهِ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ؟ قَالَ بَلَى، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ التَّصْرِيحُ بِرَفْعِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَفِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، وَالَّذِي جَبَذَهُ حُذَيْفَةُ، وَهُوَ مَرْفُوعٌ لَكِنَّ فِيهِ مَجْهُولٌ، وَالْأَوَّلُ أَقْوَى، وَيُقَوِّيهِ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ فَوْقَ شَيْءٍ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ أَسْفَلَ مِنْهُ، اهـ مِنَ التَّلْخِيصِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ صَلَاةِ حُذَيْفَةَ عَلَى الدُّكَّانِ وَجَبْذِ أَبِي مَسْعُودٍ لَهُ الْمَذْكُورِ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَمَنْ لَا يُحْصَى مِنْ كِبَارِ الْمُحَدِّثِينَ وَمُصَنِّفِيهِمْ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَيُقَالُ جَذَبَ وَجَبَذَ، لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ اهـ مِنْهُ، وَأَمَّا قِصَّةُ الْمِنْبَرِ الَّتِي أَشَارَ لَهَا الْقُرْطُبِيُّ، وَقَالَ: إِنَّهَا حُجَّةُ مَنْ يُجِيزُ ارْتِفَاعَ الْإِمَامِ عَلَى الْمَأْمُومِ، فَهِيَ حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ وُضِعَ، فَكَبَّرَ وَهُوَ عَلَيْهِ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا فَعَلْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي، وَلِتَعْلَمُوا صَلَاتِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، أَمَّا أَقْوَالُ الْأَئِمَّةِ فِي هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute