للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَى التَّكَبُّرِ عَنْ مُسَاوَاةِ الْإِمَامِ، قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: صَلَاتُهُ أَيْضًا بَاطِلَةٌ، اهـ مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ «لِأَنَّهُمْ يَعْبَثُونَ» يَعْنِي بِرَفْعِ ذَلِكَ الْبُنْيَانِ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ هُودٍ مُخَاطِبًا لِقَوْمِهِ عَادٍ: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ [٢٦ \ ١٢٨ - ١٢٩] ، وَإِذَا ارْتَفَعَتْ مَعَ الْإِمَامِ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُصَلِّينَ سَائِرَ النَّاسِ، أَعْنِي لَيْسَتْ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ وَأَعْيَانِهِمْ، فَفِي نَفْيِ الْكَرَاهَةِ بِذَلِكَ خِلَافٌ عِنْدَهُمْ وَإِلَيْهِ أَشَارَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ: وَهَلْ يَجُوزُ إِنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ طَائِفَةٌ كَغَيْرِهِمْ تُرَدِّدُ، هَذَا هُوَ حَاصِلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

وَأَمَّا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: فَهُوَ أَنَّ ارْتِفَاعَ كُلٍّ مِنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ عَلَى الْآخَرِ مَكْرُوهٌ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا يُكْرَهُ عُلُوُّ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الِارْتِفَاعِ غَيْرِ الْيَسِيرِ، وَلَا كَرَاهَةَ عِنْدَهُمْ فِي الْيَسِيرِ: وَقَدْرُ الِارْتِفَاعِ الْمُوجِبِ لِلْكَرَاهَةِ عِنْدَهُمْ قَدْرُ قَامَةٍ، وَلَا بَأْسَ بِمَا دُونَهَا، ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: وَقِيلَ هُوَ مُقَدَّرٌ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِامْتِيَازُ، وَقِيلَ: مُقَدَّرٌ بِقَدْرِ ذِرَاعٍ اعْتِبَارًا بِالسُّتْرَةِ، قَالَ صَاحِبُ تَبْيِينِ الْحَقَائِقِ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ جَمَاعَةٌ فِي مَكَانِهِ الْمُرْتَفِعِ، وَبَقِيَّةُ الْمَأْمُومِينَ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَهُمُ انْتَهَى بِمَعْنَاهُ) تَبْيِينُ الْحَقَائِقِ شَرْحُ كَنْزِ الدَّقَائِقِ (.

وَأَمَّا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: فَهُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ عُلُوِّ الْإِمَامِ عَلَى الْمَأْمُومِ، فَيُكْرَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَبَيْنَ عُلُوِّ الْمَأْمُومِ الْإِمَامَ فَيَجُوزُ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي: الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ أَعْلَى مِنَ الْمَأْمُومِينَ، سَوَاءٌ أَرَادَ تَعْلِيمَهُمُ الصَّلَاةَ، أَوْ لَمْ يُرِدْ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ اهـ مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي أَيْضًا: فَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ فِي مَكَانٍ أَعْلَى مِنَ الْمَأْمُومِينَ فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ ; لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ اهـ مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.

فَإِذَا عَرَفْتَ مَذَاهِبَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَاعْلَمْ أَنَّ حُجَّةَ مَنْ كَرِهَ عُلُوَّ الْإِمَامِ عَلَى الْمَأْمُومِ أَوْ مَنَعَهُ هِيَ مَا قَدَّمْنَا فِي قِصَّةِ جَبْذِ أَبِي مَسْعُودٍ لِحُذَيْفَةَ لَمَّا أَمَّ النَّاسَ، وَقَامَ يُصَلِّي عَلَى دُكَّانٍ، الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ. وَحُجَّةُ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ لِلتَّعْلِيمِ حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ فِي قِصَّةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>