للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ هَمْزَةَ «رَأَى» تُحْذَفُ فِي الْمُضَارِعِ وَالْأَمْرِ هُوَ الْقِيَاسُ الْمُطَّرِدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَبَقَاؤُهَا عَلَى الْأَصْلِ مَسْمُوعٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ سُرَاقَةَ بْنِ مِرْدَاسٍ الْبَارِقِيِّ الْأَصْغَرِ:

أُرِي عَيْنَيَّ مَا لَمْ تَرْأَيَاهُ ... كِلَانَا عَالِمٌ بِالتُّرَّهَاتِ

وَقَوْلُ الْأَعْلَمِ بْنِ جَرَادَةَ السَّعْدِيِّ، أَوْ شَاعِرٍ مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ:

أَلَمْ تَرْأَ مَا لَاقَيْتُ وَالدَّهْرُ أَعْصُرُ ... وَمَنْ يَتَمَلَّ الدَّهْرَ يَرْأَ وَيَسْمَعِ

وَقَوْلُ الْآخَرِ:

أَحِنُّ إِذَا رَأَيْتُ جِبَالَ نَجْدٍ ... وَلَا أَرْأَى إِلَى نَجْدٍ سَبِيلَا

وَنُونُ التَّوْكِيدِ فِي الْعَمَلِ الْمُضَارِعِ بَعْدَ «إِمَّا» لَازِمَةٌ عِنْدَ بَعْضِ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِلُزُومِهَا بَعْدَ «إِمَّا» كَقَوْلِهِ هُنَا: فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا،: الْمُبَرِّدُ وَالزَّجَّاجُ، وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَالْفَارِسِيِّ وَجَمَاعَةٍ أَنَّ نُونَ التَّوْكِيدِ فِي الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ بَعْدَ «إِمَّا» غَيْرُ لَازِمَةٍ، وَيَدُلُّ لَهُ كَثْرَةُ وُرُودِهِ فِي شِعْرِ الْعَرَبِ، كَقَوْلِ الْأَعْشَى مَيْمُونِ بْنِ قَيْسٍ:

فَإِمَّا تَرَيْنِي وَلِي لِمَّةٌ ... فَإِنَّ الْحَوَادِثَ أَرْدَى بِهَا

وَقَوْلِ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ:

فَإِمَّا تَرَيْنِي الْيَوْمَ أَصْبَحْتُ سَالِمًا ... فَلَسْتُ بِأَحْيَا مِنْ كِلَابٍ وَجَعْفَرِ

وَقَوْلِ الشَّنْفَرَى:

فَإِمَّا تَرَيْنِي كَابْنَةِ الرَّمْلِ ضَاحِيًا ... عَلَى رِقَّةٍ أُحْفِي وَلَا أَتَنَعَّلُ

وَقَوْلِ الْأَفْوَهِ الْأَوْدِيِّ:

إِمَّا تَرَيْ رَأْسِي أَزْرَى بِهِ ... مأس زَمَانٍ ذِي انْتِكَاسٍ مؤس

وَقَوْلِ الْآخَرِ:

زَعَمَتْ تُمَاضِرُ أَنَّنِي إِمَّا أَمُتْ ... يُسَدِّدْ بُنَيُّوهَا الْأَصَاغِرُ خَلَّتِي

وَقَوْلِ الْآخَرِ:

يَا صَاحِ إِمَّا تَجِدُنِي غَيْرَ ذِي جَدَّةٍ ... فَمَا التَّخَلِّي عَنِ الْخُلَّانِ مِنْ شِيَمِي

وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرَةٌ فِي شِعْرِ الْعَرَبِ.

وَالْمُبَرِّدُ وَالزَّجَّاجُ يَقُولَانِ: إِنَّ حَذْفَ النُّونِ فِي الْأَبْيَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَنَحْوِهَا إِنَّمَا هُوَ لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ، وَمَنْ خَالَفَهُمْ كَسِيبَوَيْهَ وَالْفَارِسِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>