للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ [٢١ \ ٦٥] ، قَالَ: أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [٢١ \ ٦٧] ، فَلَمَّا أَفْحَمَهُمْ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ لَجَئُوا إِلَى الْقُوَّةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ: قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ [٢١ \ ٦٨] ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ: فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ الْآيَةَ [٢٩ \ ٢٤] ، وَقَوْلُهُ عَنْ قَوْمِ لُوطٍ لَمَّا أَفْحَمَهُمْ بِالْحُجَّةِ: فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ الْآيَةَ [٢٧ \ ٥٦] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَوْلُهُ: سَلَامٌ عَلَيْكَ، يَعْنِي: لَا يَنَالُكَ مِنِّي أَذًى وَلَا مَكْرُوهٌ، بَلْ سَتَسْلَمُ مِنِّي فَلَا أُوذِيكَ، وَقَوْلُهُ: سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي، وَعْدٌ مِنْ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ بِاسْتِغْفَارِهِ لَهُ، وَقَدْ وَفَّى بِذَلِكَ الْوَعْدِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُ: وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ [١٩ \ ٤٧] ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُ: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ [١٤ \ ٤١] .

وَلَكِنَّ اللَّهَ لَمَّا بَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ، وَلَمْ يَسْتَغْفِرْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [٩ \ ١١٤] ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ [٩ \ ١١٤] ، وَالْمَوْعِدَةُ الْمَذْكُورَةُ هِيَ قَوْلُهُ هُنَا: سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي الْآيَةَ [١٩ \ ٤٧] ، وَلَمَّا اقْتَدَى الْمُؤْمِنُونَ بِإِبْرَاهِيمَ فَاسْتَغْفَرُوا لِمَوْتَاهُمُ الْمُشْرِكِينَ، وَاسْتَغْفَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [٩ \ ١١٣] ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ الْآيَةَ [٩ \ ١١٤] ، وَبَيَّنَ فِي سُورَةِ «الْمُمْتَحِنَةِ» أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلْمُشْرِكِينَ مُسْتَثْنًى مِنَ الْأُسْوَةِ بِإِبْرَاهِيمَ، وَالْأُسْوَةُ الِاقْتِدَاءُ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ - إِلَى قَوْلِهِ - إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ [٦٠ \ ٤] ، أَيْ: فَلَا أُسْوَةَ لَكُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ فِي ذَلِكَ، وَلَمَّا نَدِمَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اسْتِغْفَارِهِمْ لِلْمُشْرِكِينَ حِينَ قَالَ فِيهِمْ: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ الْآيَةَ [٩ \ ١١٣] ، بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ مَعْذُورُونَ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ مَنْعَ ذَلِكَ قَبْلَ فِعْلِهِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ [٩ \ ١١٥] .

وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي، يَجُوزُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ «رَاغِبٌ» خَبَرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>