للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَذَا الْأَمْرَ، وَكَقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا الْآيَةَ [٦٦ \ ٦] ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَمْرُهُمْ أَهْلِيهِمْ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

مَسْأَلَةٌ

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي لُزُومِ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ مُطْلَقًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَلْزَمُ مُطْلَقًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ أَدْخَلَهُ بِالْوَعْدِ فِي وَرْطَةٍ لَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَمِثَالُهُ مَا لَوْ قَالَ لَهُ: تَزَوَّجْ، فَقَالَ لَهُ: لَيْسَ عِنْدِي مَا أَصْدُقُ بِهِ الزَّوْجَةَ، فَقَالَ: تَزَوَّجْ وَالْتَزِمْ لَهَا الصَّدَاقَ وَأَنَا أَدْفَعُهُ عَنْكَ، فَتَزَوَّجَ عَلَى هَذَا الْأَسَاسِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَدْخَلَهُ بِوَعْدِهِ فِي وَرْطَةِ الْتِزَامِ الصَّدَاقِ، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ، بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ دَلَّتْ بِظَوَاهِرِ عُمُومِهَا عَلَى ذَلِكَ وَبِأَحَادِيثَ، فَالْآيَاتُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [١٧ \ ٣٤] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الْآيَةَ [٥ \ ١] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا الْآيَةَ [١٦ \ ٩١] ، وَقَوْلِهِ هُنَا: إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ الْآيَةَ [١٩ \ ٥٤] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَالْأَحَادِيثُ كَحَدِيثِ «الْعِدَةُ دَيْنٌ» فَجَعْلُهَا دَيْنًا دَلِيلٌ عَلَى لُزُومِهَا، قَالَ صَاحِبُ كَشْفِ الْخَفَاءِ وَمُزِيلِ الْإِلْبَاسِ عَمَّا اشْتُهِرَ مِنَ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ: «الْعِدَةُ دَيْنٌ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْقُضَاعِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظٍ: قَالَ: لَا يَعِدْ أَحَدُكُمْ صَبِيَّهُ ثُمَّ لَا يُنْجِزْ لَهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:» الْعِدَةُ دَيْنٌ «وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْهُ بِلَفْظِ: إِذَا وَعَدَ أَحَدُكُمْ صَبِيَّهُ فَلْيُنْجِزْ لَهُ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَهُ بِلَفْظِ» عَطِيَّةً «وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: الْعِدَةُ دَيْنٌ، وَيْلٌ لِمَنْ وَعَدَ ثُمَّ أَخْلَفَ، وَيْلٌ لَهُ.» ثَلَاثًا، وَرَوَاهُ الْقُضَاعِيُّ بِلَفْظِ التَّرْجَمَةِ فَقَطْ، وَالدَّيْلَمِيُّ أَيْضًا بِلَفْظِ: «الْوَاعِدُ بِالْعِدَةِ مِثْلُ الدَّيْنِ أَوْ أَشَدُّ» أَيْ: وَعْدُ الْوَاعِدِ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ «عِدَةُ الْمُؤْمِنِ دَيْنٌ، وَعِدَةُ الْمُؤْمِنِ كَالْأَخْذِ بِالْيَدِ» ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ قُبَاثِ بْنِ أَشْيَمَ اللَّيْثِيِّ مَرْفُوعًا: «الْعِدَةُ عَطِيَّةٌ» .

وَلِلْخَرَائِطِيِّ فِي الْمَكَارِمِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مُرْسَلًا: أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ، فَقَالَتْ: عِدْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْعِدَةَ عَطِيَّةٌ» ، وَهُوَ فِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُدَ، وَكَذَا فِي الصَّمْتِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْعِدَةُ عَطِيَّةٌ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَقَالَ: «مَا عِنْدِي مَا أُعْطِيكَ» قَالَ: فِي الْمَقَاصِدِ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثِ وَطُرُقِهِ: وَقَدْ أَفْرَدْتُهُ مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>