وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [٧٩ \ ٤٠ - ٤١] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ الْجَاحِدَ لِوُجُوبِهَا، كَافِرٌ، وَأَنَّهُ يُقْتَلُ كُفْرًا مَا لَمْ يَتُبْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَرْكَ مَا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ كَالْوُضُوءِ وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ كَتَرْكِهَا، وَجَحْدَ وَجُوبِهِ كَجَحْدِ وَجُوبِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَارِكِ صَلَاةٍ عَمْدًا تَهَاوُنًا وَتَكَاسُلًا مَعَ اعْتِرَافِهِ بِوُجُوبِهَا، هَلْ هُوَ كَافِرٌ أَوْ مُسْلِمٌ، وَهَلْ يُقْتَلُ كُفْرًا أَوْ حَدًّا أَوْ لَا يُقْتَلُ؟ فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ فَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ كُفْرًا، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا: الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَمَنْصُورٌ الْفَقِيهُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَيُرْوَى أَيْضًا عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَدِلَّةٍ، مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ الْآيَةَ [٩ \ ١١] ، وَيُفْهَمُ مِنْ مَفْهُومِ الْآيَةِ: أَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يُقِيمُوا الصَّلَاةَ لَمْ يَكُونُوا مِنْ إِخْوَانِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنِ انْتَفَتْ عَنْهُمْ أُخُوَّةُ الْمُؤْمِنِينَ فَهُمْ مِنَ الْكَافِرِينَ ; لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ الْآيَةَ [٤٩ \ ١٠] ، وَمِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ الثَّابِتُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقَيْنِ، لَفْظُ الْمَتْنِ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ» ، وَلَفْظُ الْمَتْنِ فِي الْأُخْرَى: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» انْتَهَى مِنْهُ، وَهُوَ وَاضِحٌ فِي أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ كَافِرٌ ; لِأَنَّ عَطْفَ الشِّرْكِ عَلَى الْكُفْرِ فِيهِ تَأْكِيدٌ قَوِيٌّ لِكَوْنِهِ كَافِرًا، وَمِنْهَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ، وَحَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْآتِيَيْنِ الدَّالَّيْنِ عَلَى قِتَالِ الْأُمَرَاءِ إِذَا لَمْ يُصَلُّوا، وَهُمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَعَ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَلَّا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: «إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ فِيهِ مِنَ اللَّهِ بُرْهَانٌ» ، فَدَلَّ مَجْمُوعُ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ كُفْرٌ بِوَاحٌ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ بُرْهَانٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» ، وَهَذَا مِنْ أَقْوَى أَدِلَّةِ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحَصِيبِ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْعَهْدُ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute