حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ اهـ.
وَقَالَ فِي) فَتْحِ الْبَارِي (فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَتَرْجَمَتِهِ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمُنَيِّرِ: صَرَّحَ الْبُخَارِيُّ بِإِثْبَاتِ هَذَا الْحُكْمِ مَعَ كَوْنِهِ مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ، وَلَكِنَّهُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ، إِذِ الْوَاجِبُ خَمْسُ صَلَوَاتٍ لَا أَكْثَرُ، فَمَنْ قَضَى الْفَائِتَةَ كَمَّلَ الْعَدَدَ الْمَأْمُورَ بِهِ، وَلِكَوْنِهِ عَلَى مُقْتَضَى ظَاهِرِ الْخِطَابِ، لِقَوْلِ الشَّارِعِ «فَلْيُصَلِّهَا» وَلَمْ يَذْكُرْ زِيَادَةً، وَقَالَ أَيْضًا: «لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ» فَاسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا الْحَصْرِ أَنْ لَا يَجِبَ غَيْرُ إِعَادَتِهَا، وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ مَنْ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى صَلَاةً أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الَّتِي قَبْلَهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي الَّتِي ذَكَرَ، ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي كَانَ صَلَّاهَا مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ. انْتَهَى مِنْهُ، فَإِنْ قِيلَ: جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي قِصَّةِ نَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ مَا نَصُّهُ: ثُمَّ قَالَ - يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا، فَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا» اهـ.
فَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَإِذَا كَانَ الْغَدُ. . . إِلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي الْفَائِتَةَ مَرَّتَيْنِ: الْأُولَى عِنْدَ ذِكْرِهَا، وَالثَّانِيَةَ: عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا مِنَ الْغَدِ؟ فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا» فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فَقَضَاهَا لَا يَتَغَيَّرُ وَقْتُهَا وَيَتَحَوَّلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، بَلْ يَبْقَى كَمَا كَانَ، فَإِذَا كَانَ الْغَدُ صَلَّى صَلَاةَ الْغَدِ فِي وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ وَلَا يَتَحَوَّلُ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْضِي الْفَائِتَةَ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً فِي الْحَالِ، وَمَرَّةً فِي الْغَدِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ، فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدِ اضْطَرَبَتْ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِيهِ، وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُونَ مَا ذَكَرْتُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى مِنْهُ، وَهَذَا الَّذِي فَسَّرَ بِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لَنَا صَوَابُهُ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَلَكِنْ جَاءَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي قِصَّةِ النُّوَّمِ عَنِ الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ مَا نَصُّهُ: «فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ صَلَاةَ الْغَدِ مِنْ غَدٍ صَالِحًا فَلْيَقْضِ مَعَهَا مِثْلَهَا» اهـ، وَهَذَا اللَّفْظُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَقْضِي الْفَائِتَةَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا يَحْتَمِلُ الْمَعْنَى الَّذِي فَسَّرَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ لَفْظَ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ.
وَلِلْعُلَمَاءِ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَجْوِبَةٌ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي (فَتْحِ الْبَارِي) بَعْدَ أَنْ أَشَارَ إِلَى رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورَةِ مَا نَصُّهُ: قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أَعْلَمَ أَحَدًا قَالَ بِظَاهِرِهِ وُجُوبًا، قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِيهِ لِلِاسْتِحْبَابِ لِيَحُوزَ فَضِيلَةَ الْوَقْتِ فِي الْقَضَاءِ. انْتَهَى، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ بِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ أَيْضًا، بَلْ عَدُّوا الْحَدِيثَ غَلَطًا مِنْ رَاوِيهِ، حَكَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْبُخَارِيِّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute