الَّذِي ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَخَالَفَهُمْ كُلَّهُمُ الْحَاكِمُ فَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَقَالَ: عَنْ سُمَيَّةَ الْأَزْدِيَّةِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شَيْبَةَ. بَدَلَ أَبِي سُمَيَّةَ عَنْ جَابِرٍ. اهـ. وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا غَالِبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ الْبُرْسَانِيِّ، عَنْ أَبِي سُمَيَّةَ، قَالَ: اخْتَلَفْنَا فِي الْوُرُودِ فَقَالَ بَعْضُنَا: لَا يَدْخُلُهَا مُؤْمِنٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَدْخُلُونَهَا جَمِيعًا ثُمَّ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا، فَلَقِيتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ: إِنَّا اخْتَلَفْنَا فِي الْوُرُودِ فَقَالَ: يَدْخُلُونَهَا جَمِيعًا، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: غَرِيبٌ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِسْنَادَ الْمَذْكُورَ لَا يَقِلُّ عَنْ دَرَجَةِ الْحُسْنِ لِأَنَّ طَبَقَتَهُ الْأُولَى: سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ إِمَامٌ حَافِظٌ مَشْهُورٌ، وَطَبَقَتَهُ الثَّانِيَةَ: أَبُو صَالِحٍ أَوْ أَبُو سَلَمَةَ غَالِبُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْعَتَكِيُّ الْجَهْضَمِيُّ الْخُرَاسَانِيُّ أَصْلُهُ مِنَ الْبَصْرَةِ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَطَبَقَتَهُ الثَّالِثَةَ: كَثِيرُ بْنُ زِيَادٍ أَبُو سَهْلٍ الْبُرْسَانِيُّ بَصْرِيٌّ نَزَلَ بَلْخَ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَطَبَقَتَهُ الرَّابِعَةَ: أَبُو سُمَيَّةَ وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ. وَبِتَوْثِيقِ أَبِي سُمَيَّةَ الْمَذْكُورِ تَتَّضِحُ صِحَّةُ الْحَدِيثِ ; لِأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ رِجَالِ هَذَا الْإِسْنَادِ ثِقَاتٌ مَعْرُوفُونَ، مَعَ أَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ الْمَذْكُورَ يَعْتَضِدُ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَبِالْآيَاتِ الْأُخْرَى الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَآثَارٍ جَاءَتْ عَنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَكَرَهُ هُوَ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، كُلُّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ وُرُودُ دُخُولٍ، وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْوُرُودَ فِي الْآيَةِ الدُّخُولُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ [٢١ \ ١٠١] ، بِأَنَّهُمْ مُبْعَدُونَ عَنْ عَذَابِهَا وَأَلَمِهَا، فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ وَرُودَهُمْ إِيَّاهَا مِنْ غَيْرِ شُعُورِهِمْ بِأَلَمٍ وَلَا حَرٍّ مِنْهَا، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي كِتَابِنَا «دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.
وَأَجَابُوا عَنِ الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» ، بِالْقَوْلِ بِمُوجِبِهِ، قَالُوا: الْحَدِيثُ حَقٌّ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِمَحِلِّ النِّزَاعِ ; لِأَنَّ السِّيَاقَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْكَلَامَ فِي النَّارِ فِي الْآخِرَةِ وَلَيْسَ فِي حَرَارَةٍ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا ; لِأَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا إِلَى أَنْ قَالَ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [١٩ \ ٦٨ - ٧٠] ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ لَا فِي الدُّنْيَا كَمَا تَرَى.
وَالْقِرَاءَةُ فِي قَوْلِهِ: جِثِيًّا، كَمَا قَدَّمْنَا فِي قَوْلِهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute