للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْحَنَفِيُّ وَالْحَنْبَلِيُّ: غَيْرُ الْكَيْلِ مِنْ تِلْكَ الْأَوْصَافِ بَاطِلٌ، وَالْكَيْلُ: هُوَ الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْحُكْمِ، وَيَسْتَدِلُّ عَلَى ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ كَحَدِيثِ حَيَّانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَفِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ السِّتَّةِ الَّتِي يُمْنَعُ فِيهَا الرِّبَا: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، وَبِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ. كَمَا قَدَّمْنَاهُ مُسْتَوْفًى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى آيَةِ الرِّبَا.

وَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ: غَيْرُ الطَّعْمِ بَاطِلٌ، وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْبُرِّ الطَّعْمُ، وَيَسْتَدِلُّ بِحَدِيثِ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» الْحَدِيثَ. كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ أَيْضًا فِي الْبَقَرَةِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْقِيَاسِ الَّذِي يَخْتَلِفُ الْمُجْتَهِدُونَ فِي الْعِلَّةِ فِيهِ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ بِمُرَكَّبِ الْأَصْلِ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ بِقَوْلِهِ:

وَإِنْ يَكُنْ لِعِلَّتَيْنِ اخْتَلَفَا ... تَرَكَّبَ الْأَصْلُ لَدَى مَنْ سَلَفَا

وَأَشَارَ إِلَى مُرَكَّبِ الْوَصْفِ بِقَوْلِهِ:

مُرَكَّبُ الْوَصْفِ إِذَا الْخَصْمُ مَنَعْ وُجُودُ ذَا الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ الْمُتَّبَعْ وَالْقِيَاسُ الْمُرَكَّبُ بِنَوْعَيْهِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا تَنْهَضُ الْحُجَّةُ بِهِ عَلَى الْخَصْمِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْجَدَلِيِّينَ، وَإِلَى كَوْنِ رَدِّهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَصْمِ الْمُخَالِفِ هُوَ الْمُخْتَارُ، أَشَارَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ بِقَوْلِهِ:

وَرَدُّهُ انْتَفَى وَقِيلَ يُقْبَلْ ... وَفِي التَّقَدُّمِ خِلَافٌ يُنْقَلْ وَالضَّمِيرُ

فِي قَوْلِهِ: «وَرَدُّهُ» رَاجِعٌ إِلَى الْمُرَكَّبِ بِنَوْعَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، فَلَا تَنْهَضُ الْحُجَّةُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إِنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْبُرِّ الطَّعْمُ، عَلَى الْحَنَفِيِّ وَالْحَنْبَلِيِّ الْقَائِلَيْنِ إِنَّهَا الْكَيْلُ كَالْعَكْسِ، وَهَكَذَا، أَمَّا فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ وَمُقَلِّدِيهِ فَظَنُّهُ الْمَذْكُورُ حُجَّةٌ نَاهِضَةٌ لَهُ وَلِمُقَلِّدِيهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ لِحَصْرِ أَوْصَافِ الْمَحِلِّ طُرُقًا، مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْحَصْرُ عَقْلِيًّا كَمَا قَدَّمْنَا فِي آيَةِ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [٥٢ \ ٣٥] ، وَكَقَوْلِكَ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَالِمًا بِهَذَا الْأَمْرِ الَّذِي تَدْعُو النَّاسَ إِلَيْهِ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ: كَمَا يَأْتِي إِيضَاحُهُ، فَأَوْصَافُ الْمَحِلِّ مَحْصُورَةٌ فِي الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ - إِذْ لَا ثَالِثَ أَلْبَتَّةَ - أَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الشَّيْءِ وَنَقِيضِهِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ، وَمِنْهَا أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْحَصْرِ الْمَذْكُورِ إِجْمَاعٌ، وَمَثَّلَ لَهُ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ بِإِجْبَارِ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ عَلَى النِّكَاحِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ، فَإِنَّ عِلَّةَ الْإِجْبَارِ إِمَّا الْجَهْلُ بِالْمَصَالِحِ، وَإِمَّا الْبَكَارَةُ. فَإِنْ قَالَ الْمُعْتَرِضُ: أَيْنَ دَلِيلُ حَصْرِ الْأَوْصَافِ فِي الْأَمْرَيْنِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ التَّعْلِيلِ بِغَيْرِهِمَا، فَلَوِ ادَّعَى

<<  <  ج: ص:  >  >>