للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَمْرَاءَ عَلَى صَفَائِحِ الذَّهَبِ، فَيَضْرِبُونَ بِالْحَلْقَةِ عَلَى الصَّفْحَةِ فَيُسْمَعُ لَهَا طَنِينٌ يَا عَلِيُّ، فَيَبْلُغُ كُلَّ حَوْرَاءَ أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ أَقْبَلَ فَتَبْعَثُ قَيِّمَهَا لِيَفْتَحَ لَهُ فَإِذَا رَآهُ خَرَّ لَهُ) قَالَ سَلَمَةُ: أَرَاهُ قَالَ سَاجِدًا (فَيَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ فَإِنَّمَا أَنَا قَيِّمُكَ وُكِّلْتُ بِأَمْرِكَ، فَيَتْبَعُهُ وَيَقْفُو أَثَرَهُ فَتَسْتَخِفُّ الْحَوْرَاءَ الْعَجَلَةُ فَتَخْرُجُ مِنْ خِيَامِ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ حَتَّى تَعْتَنِقَهُ.» إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ بِطُولِهِ، وَفِي آخِرِ السِّيَاقِ: هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَرْفُوعًا، وَقَدْ رُوِّينَاهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ مِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصِّحَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.

وَرُكُوبُهُمُ الْمَذْكُورُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الْمَحْشَرِ إِلَى الْجَنَّةِ، أَمَّا مِنَ الْقَبْرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ مُشَاةً، بِدَلِيلِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَجَزَمَ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [١٩ \ ٨٦] ، السَّوْقُ مَعْرُوفٌ، وَالْمُجْرِمُونَ: جَمْعُ تَصْحِيحٍ لِلْمُجْرِمِ، وَهُوَ اسْمُ فَاعِلِ الْإِجْرَامِ، وَالْإِجْرَامُ: ارْتِكَابُ الْجَرِيمَةِ، وَهِيَ الذَّنْبُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ بِهِ النَّكَالَ وَالْعَذَابَ، وَلَمْ يَأْتِ الْإِجْرَامُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا مِنْ «أَجْرَمَ» الرُّبَاعِيِّ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ، وَيَجُوزُ إِتْيَانُهُ فِي اللُّغَةِ بِصِيغَةِ الثُّلَاثِيِّ فَتَقُولُ: جَرَمَ يَجْرِمُ كَضَرَبَ يَضْرِبُ، وَالْفَاعِلُ مِنْهُ جَارِمٌ، وَالْمَفْعُولُ مَجْرُومٌ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ الْبَرَّاقَةِ النَّهْمِيِّ:

وَنَنْصُرُ مَوْلَانَا وَنَعْلَمُ أَنَّهُ كَمَا النَّاسِ مَجْرُومٌ عَلَيْهِ وَجَارِمُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وِرْدًا، أَيْ: عِطَاشًا، وَأَصْلُ الْوِرْدِ: الْإِتْيَانُ إِلَى الْمَاءِ، وَلَمَّا كَانَ الْإِتْيَانُ إِلَى الْمَاءِ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْعَطَشِ أُطْلِقَ هُنَا اسْمُ الْوِرْدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْعِطَاشِ، أَعَاذَنَا اللَّهُ وَالْمُسْلِمِينَ مِنَ الْعَطَشِ فِي الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا، وَمِنْ إِطْلَاقِ الْوِرْدِ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى الْمَاءِ قَوْلُ الرَّاجِزِ يُخَاطِبُ نَاقَتَهُ:

رِدِي رِدِي وِرْدَ قَطَاةٍ صَمَّا ... كُدْرِيَّةٍ أَعْجَبَهَا بَرْدُ الْمَا

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْعَامِلِ النَّاصِبِ لِقَوْلِهِ: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ، فَقِيلَ مَنْصُوبٌ بِـ يَمْلِكُونَ بَعْدَهُ، أَيْ: لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ، وَقِيلَ: مَنْصُوبٌ بِـ «اذْكُرْ» أَوِ احْذَرْ، مُقَدَّرًا، وَفِيهِ أَقْوَالٌ غَيْرُ ذَلِكَ.

وَهَذَا الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ «الزُّمَرِ» :

<<  <  ج: ص:  >  >>