وَقِيلَ: أَصْلُهُ مِنَ الْقُرِّ بِضَمِّ الْقَافِ وَهُوَ الْبَرْدُ، تَقُولُ الْعَرَبُ: يَوْمٌ قَرٌّ بِالْفَتْحِ أَيْ بَارِدٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
تَمِيمُ بْنُ مُرٍّ وَأَشْيَاعُهَا ... وَكِنْدَةُ حَوْلِي جَمِيعًا صُبُرْ
إِذَا رَكِبُوا الْخَيْلَ وَاسْتَلْأَمُوا ... تَحَرَّقَتِ الْأَرْضُ وَالْيَوْمُ قَرْ
وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ الْجَوَادِ:
أَوْقِدْ فَإِنَّ اللَّيْلَ لَيْلٌ قَرُّ ... وَالرِّيحُ يَا وَاقِدُ رِيحٌ صَرُّ
عَلَّ يَرَى نَارَكَ مَنْ يَمُرُّ ... إِنْ جَلَبَتْ ضَيْفًا فَأَنْتَ حُرُّ
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: فَقُرَّةُ الْعَيْنِ مِنْ بَرْدِهَا. لِأَنَّ عَيْنَ الْمَسْرُورِ بَارِدَةٌ، وَدَمْعُ الْبُكَاءِ مِنَ السُّرُورِ بَارِدٌ جِدًّا، بِخِلَافِ عَيْنِ الْمَحْزُونِ فَإِنَّهَا حَارَّةٌ، وَدَمْعُ الْبُكَاءِ مِنَ الْحُزْنِ حَارٌّ جِدًّا. وَمِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ: أَحَرُّ مِنْ دَمْعِ الْمُقِلَّاتِ. وَهِيَ الَّتِي لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، فَيَشْتَدُّ حُزْنُهَا لِمَوْتِ أَوْلَادِهَا فَتَشْتَدُّ حَرَارَةُ دَمْعِهَا لِذَلِكَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا.
لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ سَبَبَ قَتْلِهِ لِهَذِهِ النَّفْسِ، وَلَا مِمَّنْ هِيَ، وَلَمْ يُبَيِّنِ السَّبَبَ الَّذِي نَجَّاهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الْغَمِّ، وَلَا الْفُتُونِ الَّذِي فَتَنَهُ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ فِي سُورَةِ «الْقَصَصِ» خَبَرَ الْقَتِيلِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [٢٨ ١٥ - ١٦] وَأَشَارَ إِلَى الْقَتِيلِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ [٢٨ ٣٣] وَهُوَ الْمُرَادُ بِالذَّنْبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ مُوسَى: فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ [٢٦ ١٣ - ١٤] وَهُوَ مُرَادُ فِرْعَوْنَ بِقَوْلِهِ لِمُوسَى فِيمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَنْهُ: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ الْآيَةَ [٢٦ ١٩] . وَقَدْ أَشَارَ تَعَالَى فِي «الْقَصَصِ» أَيْضًا إِلَى غَمِّ مُوسَى، وَإِلَى السَّبَبِ الَّذِي أَنْجَاهُ اللَّهُ بِهِ مِنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute