للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَهُ قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى [٢٠ ٥٢] أَيْ لَا يَضِلُّ رَبِّي الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. أَيْ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ. وَيَجُوزُ أَنْ يُنْصَبَ عَلَى الْمَدْحِ، وَهُوَ أَجْوَدُ مِنْ أَنْ يُقَدَّرَ عَامِلُ النَّصْبِ لَفَظَةَ أَعْنِي، كَمَا أَشَارَ إِلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ مِنَ الْإِعْرَابِ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:

وَارْفَعْ أَوِ انْصِبْ إِنْ قَطَعْتَ مُضْمِرًا ... مُبْتَدَأً أَوْ نَاصِبًا لَنْ يَظْهَرَا

هَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ. وَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِقَوْلِ مُوسَى لَا يَضِلُّ رَبِّي لِأَنَّ قَوْلَهُ فَأَخْرَجْنَا يُعَيِّنُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَدْ بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَرْبَعَ آيَاتٍ مِنْ آيَاتِهِ الْكُبْرَى الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ. وَمَعَ كَوْنِهَا مِنْ آيَاتٍ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ الْعِبَادَةَ وَحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ فَهِيَ مِنَ النِّعَمِ الْعُظْمَى عَلَى بَنِي آدَمَ.

الْأُولَى: فَرْشُهُ الْأَرْضَ عَلَى هَذَا النَّمَطِ الْعَجِيبِ.

الثَّانِيَةُ: جَعْلُهُ فِيهَا سُبُلًا يَمُرُّ مَعَهَا بَنُو آدَمَ وَيَتَوَصَّلُونَ بِهَا مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ.

الثَّالِثَةُ: إِنْزَالُهُ الْمَاءَ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى هَذَا النَّمَطِ الْعَجِيبِ.

الرَّابِعَةُ: إِخْرَاجُهُ أَنْوَاعَ النَّبَاتِ مِنَ الْأَرْضِ.

أَمَّا الْأُولَى الَّتِي هِيَ جَعْلُهُ الْأَرْضَ مَهْدًا فَقَدْ ذَكَرَ الِامْتِنَانَ بِهَا مَعَ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى أَنَّهُ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا الْآيَةَ [٤٣ ٩ - ١٠] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا [٧٨ ٦ - ٧] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ [٥١ ٤٨] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا [١٣ ٣] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا.

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ الَّتِي هِيَ جَعْلُهُ فِيهَا سُبُلًا فَقَدْ جَاءَ الِامْتِنَانُ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ. كَقَوْلِهِ فِي «الزُّخْرُفِ» : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [٤٣ ٩] ،

<<  <  ج: ص:  >  >>