للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَنَّ مَعْنَى خَلْقِهِمْ مِنْ تُرَابٍ أَنَّ النُّطْفَةَ إِذَا وَقَعَتْ فِي الرَّحِمِ انْطَلَقَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِالرَّحِمِ فَأَخَذَ مِنْ تُرَابِ الْمَكَانِ الَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ فَيَذْرُهُ عَلَى النُّطْفَةِ فَيَخْلُقُ اللَّهُ النَّسَمَةَ مِنَ النُّطْفَةِ، وَالتُّرَابِ مَعًا فَهُوَ خِلَافُ التَّحْقِيقِ. لِأَنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَرْحَلَةَ النُّطْفَةِ بَعْدَ مَرْحَلَةِ التُّرَابِ بِمُهْلَةٍ. فَهِيَ غَيْرُ مُقَارِنَةٌ لَهَا بِدَلِيلِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا بِـ «ثُمَّ» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ [٢٢ ٥] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ الْآيَةَ [٤٠ ٦٧] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ [٢٣ ١٢ - ١٣] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ [٣٢ ٦ - ٨] وَكَذَلِكَ مَا يَزْعُمُهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ أَنَّ مَعْنَى خَلْقِهِمْ مِنْ تُرَابٍ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ خُلِقُوا مِنَ الْأَغْذِيَةِ الَّتِي تَتَوَلَّدُ مِنَ الْأَرْضِ فَهُوَ ظَاهِرُ السُّقُوطِ كَمَا تَرَى.

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَقَدْ ذَكَرَهَا تَعَالَى أَيْضًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا [٧٧ ٢٥ - ٢٦] فَقَوْلُهُ كِفَاتًا [٧٧ ٢٦] أَيْ مَوْضِعُهُمُ الَّذِي يَكْفِتُونَ فِيهِ أَيْ يُضَمُّونَ فِيهِ: أَحْيَاءً عَلَى ظَهْرِهَا، وَأَمْوَاتًا فِي بَطْنِهَا. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ.

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ إِخْرَاجُهُمْ مِنَ الْأَرْضِ أَحْيَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَدْ جَاءَتْ مُوَضَّحَةً فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ. كَقَوْلِهِ: وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ [٣٠ ١٩] أَيْ مِنْ قُبُورِكُمْ أَحْيَاءً بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ [٥٠ \ ١١] أَيْ مِنَ الْقُبُورِ بِالْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ [٣٠ ٢٥] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [٧ ٥٧] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [٧٠ ٤٣] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ [٥٠ \ ٤٢] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا.

وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ الْآيَةَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ [٧ ٢٥] . وَالتَّارَةُ فِي قَوْلِهِ تَارَةً أُخْرَى بِمَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>