الْأَلِفُ مِنْ تَخْشَى عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ:
وَاحْذِفْ جَازِمًا ... ثَلَاثَهُنَّ تَقْضِ حُكْمًا لَازِمًا
وَالْأَلِفُ لَمْ تُحْذَفْ فَوَقَعَ الْإِشْكَالُ بِسَبَبِ ذَلِكَ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ وَلَا تَخْشَى مُسْتَأْنَفٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: وَأَنْتَ لَا تَخْشَى، أَيْ: وَمِنْ شَأْنِكَ أَنَّكَ آمِنٌ لَا تَخْشَى.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْفِعْلَ مَجْزُومٌ، وَالْأَلِفُ لَيْسَتْ هِيَ الْأَلِفُ الَّتِي فِي مَوْضِعِ لَامِ الْكَلِمَةِ، وَلَكِنَّهَا زِيدَتْ لِلْإِطْلَاقِ مِنْ أَجْلِ الْفَاصِلَةِ، كَقَوْلِهِ: فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ [٣٣ ٦٧] وَقَوْلِهِ: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ [٣٣ ١٠] .
وَالثَّالِثُ: أَنَّ إِشْبَاعَ الْحَرَكَةِ بِحَرْفِ مَدٍّ يُنَاسِبُهَا أُسْلُوبٌ مَعْرُوفٌ مِنْ أَسَالِيبِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، كَقَوْلِ عَبْدِ يَغُوثَ بْنِ وَقَّاصٍ الْحَارِثِيِّ:
وَتَضْحَكُ مِنِّي شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّةٌ ... كَأَنْ لَمْ تَرَ قَبْلِي أَسِيرًا يَمَانِيَا
وَقَوْلِ الرَّاجِزِ:
إِذَا الْعَجُوزُ غَضِبَتْ فَطَلِّقْ ... وَلَا تَرَضَّاهَا وَلَا تَمَلَّقْ
وَقَوْلِ الْآخَرِ:
قُلْتُ وَقَدْ خَرَّتْ عَلَى الْكَلْكَالِ ... يَا نَاقَتِي مَا جُلْتِ مِنْ مَجَالِ
وَقَوْلِ عَنْتَرَةَ فِي مُعَلَّقَتِهِ:
يَنْبَاعُ مِنْ ذَفِرَيْ غَضُوبٍ جَسْرَةٍ ... زَيَّافَةٍ مِثْلَ الْفَنِيقِ الْمُكْدَمِ
فَالْأَصْلُ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ: كَأَنْ لَمْ تَرَ، وَلَكِنَّ الْفَتْحَةَ أُشْبِعَتْ. وَالْأَصْلُ فِي الثَّانِي، وَلَا تَرْضَهَا، وَلَكِنَّ الْفَتْحَةَ أُشْبِعَتْ. وَالْأَصْلُ فِي الثَّالِثِ عَلَى الْكَلْكَالِ يَعْنِي الصَّدْرَ، وَلَكِنَّ الْفَتْحَةَ أُشْبِعَتْ. وَالْأَصْلُ فِي الرَّابِعِ يَنْبُعُ يَعْنِي أَنَّ الْعَرَقَ يَنْبُعُ مِنْ عَظْمِ الذِّفْرَى مِنْ نَاقَتِهِ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَلَكِنَّ الْفَتْحَةَ أُشْبِعَتْ، وَإِشْبَاعُ الْفَتْحَةِ بِأَلْفٍ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَأَمْثَالِهَا مِمَّا لَمْ نَذْكُرْهُ لَيْسَ لِضَرُورَةٍ لِلشِّعْرِ لِتَصْرِيحِ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ بِأَنَّهُ أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَسْمُوعٌ فِي النَّثْرِ، كَقَوْلِهِمْ فِي النَّثْرِ: كَلْكَالٌ، وَخَاتَامٌ، وَدَانَاقٌ، يَعْنُونَ كَلْكَلًا، وَخَاتَمًا، وَدَانِقًا. وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَأَكْثَرْنَا مِنْ شَوَاهِدِهَا الْعَرَبِيَّةِ فِي كِتَابِنَا