إِنَّ رَبَّهُ يَنْسِفُهَا نَسْفًا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقْلَعَهَا مِنْ أُصُولِهَا، ثُمَّ يَجْعَلَهَا كَالرَّمْلِ الْمُتَهَايِلِ الَّذِي يَسِيلُ، وَكَالصُّوفِ الْمَنْفُوشِ تُطَيِّرُهَا الرِّيَاحُ هَكَذَا وَهَكَذَا.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ جَلَّ وَعَلَا بَيَّنَ الْأَحْوَالَ الَّتِي تَصِيرُ إِلَيْهَا الْجِبَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ. فَبَيَّنَ أَنَّهُ يَنْزِعُهَا مِنْ أَمَاكِنِهَا وَيَحْمِلُهَا فَيَدُكُّهَا دَكًّا. وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً [٦٩ \ ١٣ - ١٤] ،.
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ يُسَيِّرُهَا فِي الْهَوَاءِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ [٢٧ \ ٨٧ - ٨٨] ، وَقَوْلِهِ: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً الْآيَةَ [١٨ \ ٤٧] وَقَوْلِهِ: وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ [٨١ \ ٣] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا [٧٨ \ ٢٠] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا [٥٢ \ ٩ - ١٠] ،.
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ يُفَتِّتُهَا وَيَدُقُّهَا كَقَوْلِهِ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا أَيْ: فُتِّتَتْ حَتَّى صَارَتْ كَالْبَسِيسَةِ، وَهِيَ دَقِيقٌ مَلْتُوتٌ بِسَمْنٍ أَوْ نَحْوِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ، وَقَوْلِهِ: وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً [٦٩ \ ١٤] ،.
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ يُصَيِّرُهَا كَالرَّمْلِ الْمُتَهَايِلِ، وَكَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ؟ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا [٧٣ \ ١٤] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ [٧٠ \ ٩] ، فِي «الْمَعَارِجِ، وَالْقَارِعَةِ» . وَالْعِهْنُ: الصُّوفُ الْمَصْبُوغُ. وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى فِي مُعَلَّقَتِهِ:
كَأَنَّ فُتَاتَ الْعِهْنِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ ... نَزَلْنَ بِهِ حَبُّ الْفَنَا لَمْ يُحَطَّمِ
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهَا تَصِيرُ كَالْهَبَاءِ الْمُنْبَثِّ فِي قَوْلِهِ: وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا [٥٦ \ ٥ - ٦] ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهَا تَصِيرُ سَرَابًا، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا [٧٨ \ ٢٠] ، وَقَدْ بَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّ السَّرَابَ لَا شَيْءَ. وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا [٢٤ \ ٣٩] ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ يَنْسِفُهَا نَسْفًا فِي قَوْلِهِ هُنَا: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا [٢٠ \ ١٠٥] ،.
تَنْبِيهٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute