مَعْرُوفًا، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إِبْلِيسُ قَدْ أُخْرِجَ مِنَ الْجَنَّةِ صَاغِرًا مَذْمُومًا مَدْحُورًا، فَكَيْفَ أَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ إِلَى الْجَنَّةِ حَتَّى وَسْوَسَ لِآدَمَ؟ ، وَالْمُفَسِّرُونَ يَذْكُرُونَ فِي ذَلِكَ قِصَّةَ الْحَيَّةِ، وَأَنَّهُ دَخَلَ فِيهَا فَأَدْخَلَتْهُ الْجَنَّةَ، وَالْمَلَائِكَةُ الْمُوَكَّلُونَ بِهَا لَا يَشْعُرُونَ بِذَلِكَ. وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ. وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لَا إِشْكَالَ فِي ذَلِكَ، لِإِمْكَانِ أَنْ يَقِفَ إِبْلِيسُ خَارِجَ الْجَنَّةِ قَرِيبًا مِنْ طَرَفِهَا بِحَيْثُ يَسْمَعُ آدَمُ كَلَامَهُ وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَإِمْكَانُ أَنْ يُدْخِلَهُ اللَّهُ إِيَّاهَا لِامْتِحَانِ آدَمَ وَزَوْجِهِ، لَا لِكَرَامَةِ إِبْلِيسَ. فَلَا مُحَالَ عَقْلًا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَالْقُرْآنُ قَدْ جَاءَ بِأَنَّ إِبْلِيسَ كَلَّمِ آدَمَ، وَحَلَفَ لَهُ حَتَّى غَرَّهُ وَزَوْجَهُ بِذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ أَضَافَ الشَّجَرَةَ إِلَى الْخُلْدِ وَهُوَ الْخُلُودُ. لِأَنَّ مَنْ أَكَلَ مِنْهَا يَكُونُ فِي زَعْمِهِ الْكَاذِبِ خَالِدًا لَا يَمُوتُ، وَلَا يَزُولُ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ لَهُ فِي زَعْمِهِ مُلْكٌ لَا يَبْلَى أَيْ: لَا يَفْنَى، وَلَا يَنْقَطِعُ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ قَوْلَهُ هُنَا وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى يَدُلُّ لِمَعْنَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ [٧ \ ٢٠] بِكَسْرِ اللَّامِ. وَقَوْلُهُ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ [٧ \ ٢٠] ، هُوَ مَعْنَى قَوْلُهُ فِي «طه» : هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ [٢٠ \ ١٢٠] ،.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ إِبْلِيسَ لَعَنَهُ اللَّهُ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا وَسْوَسَ بِهِ إِلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ: أَنَّهُمَا إِنْ أَكَلَا مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَاهُمَا اللَّهُ عَنْهَا نَالَا الْخُلُودَ، وَالْمُلْكَ، وَصَارَا مَلَكَيْنِ، وَحَلَفَ لَهُمَا أَنَّهُ نَاصِحٌ لَهُمَا فِي ذَلِكَ، يُرِيدُ لَهُمَا الْخُلُودَ، وَالْبَقَاءَ، وَالْمُلْكَ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ. وَفِي الْقِصَّةِ: أَنَّ آدَمَ لَمَّا سَمِعَهُ يَحْلِفُ بِاللَّهِ اعْتَقَدَ مِنْ شِدَّةِ تَعْظِيمِهِ لِلَّهِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْلِفَ بِهِ أَحَدٌ عَلَى الْكَذِبِ، فَأَنْسَاهُ ذَلِكَ الْعَهْدَ بِالنَّهْيِ عَنِ الشَّجَرَةِ.
تَنْبِيهٌ
فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ سُؤَالٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: كَيْفَ عَدَّى فِعْلَ الْوَسْوَسَةِ فِي «طه» بِإِلَى فِي قَوْلِهِ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ مَعَ أَنَّهُ عَدَّاهُ فِي «الْأَعْرَافِ» بِاللَّامِ فِي قَوْلِهِ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ [٧ \ ٢٠] ،. وَلِلْعُلَمَاءِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ أَجْوِبَةٌ.
أَحَدُهَا: أَنَّ حُرُوفَ الْجَرِّ يَخْلُفُ بَعْضُهَا بَعْضًا. فَاللَّامُ تَأْتِي بِمَعْنَى إِلَى كَعَكْسِ ذَلِكَ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ يُرِيدُ إِلَيْهِمَا، وَلَكِنَّ الْعَرَبَ تُوَصِّلُ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ كُلِّهَا الْفِعْلَ اهـ. وَتَبِعَهُ ابْنُ مَنْظُورٍ فِي اللِّسَانِ. وَمِنَ الْأَجْوِبَةِ عَنْ ذَلِكَ: إِرَادَةُ التَّضْمِينِ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute