نَارًا. وَذَكَرَ عَنْ عُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُمْ خَصَّصُوا بِذَلِكَ النَّهْيِ عَنِ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ، وَعَنْ أَنْ يُعَذَّبَ أَحَدٌ بِعَذَابِ اللَّهِ. ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ تُحْرَقَ الْعَقْرَبُ بِالنَّارِ، وَقَالَ: هُوَ مُثْلَةٌ. وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ. ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّابِتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَارٍ، وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا [٧٧] ، فَنَحْنُ نَأْخُذُهَا مِنْ فِيهِ رَطْبَةً، إِذْ خَرَجَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ فَقَالَ «اقْتُلُوهَا» ، فَابْتَدَرْنَاهَا لِنَقْتُلَهَا، فَسَبَقَتْنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَقَاهَا اللَّهُ شَرَّكُمْ كَمَا وَقَاكُمْ شَرَّهَا» فَلَمْ يُضْرِمْ نَارًا، وَلَا احْتَالَ فِي قَتْلِهَا، وَأَجَابَ هُوَ عَنْ ذَلِكَ، بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ نَارًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ لَمْ يَكُنِ الْجُحْرُ بِهَيْئَةٍ يُنْتَفَعُ بِالنَّارِ هُنَاكَ، مَعَ ضَرَرِ الدُّخَانِ وَعَدَمِ وُصُولِهِ إِلَى الْحَيَّةِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ مِنَ الْإِرْشَادِ إِلَى دَفْعِ الْمُضِرَّةِ الْمُخَوِّفَةِ مِنَ الْحَيَّاتِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِهَا إِنْ كَانَتْ غَيْرَ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِيمَا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: «اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ كُلَّهُنَّ، فَمَنْ خَافَ ثَأْرَهُنَّ فَلَيْسَ مِنِّي» ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ لَا تُقْتَلُ حَتَّى تُؤْذَنَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. لِحَدِيثِ: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ خَصَّ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ دُونَ غَيْرِهَا لِحَدِيثِ: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا» . قَالُوا: وَلَا نَعْلَمُ هَلْ أَسْلَمَ مِنْ جِنِّ غَيْرِ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ أَوْ لَا. قَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ مَالِكٍ النَّهْيَ عَنْ قَتْلِ جِنَّانِ الْبُيُوتِ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ. ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ الْآيَةَ [٤٦ \ ٢٩] . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَتَانِي دَاعِيَ الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُمْ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ وَفِيهِ سَأَلُوهُ الزَّادَ وَكَانُوا مِنْ جِنِّ الْجَزِيرَةِ» وَسَيَأْتِي بِكَمَالِهِ فِي سُورَةِ «الْجِنِّ» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا يُقْتَلْ شَيْءٌ مِنْهَا حَتَّى يَخْرُجَ عَلَيْهِ وَيُنْذَرُ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(ثُمَّ قَالَ) : رَوَى الْأَئِمَّةُ عَنْ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زَهْرَةَ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي بَيْتِهِ، قَالَ: فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّى يَقْضِيَ صَلَاتَهُ، فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا فِي عَرَاجِينِ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا حَيَّةٌ فَوَثَبْتُ لِأَقْتُلَهَا فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنِ اجْلِسْ فَجَلَسْتُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إِلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ فَقَالَ: أَتَرَى هَذَا الْبَيْتَ؟ فَقُلْتُ نَعَمْ. قَالَ: كَانَ فِيهِ فَتًى مِنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، قَالَ: فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْخَنْدَقِ، فَكَانَ ذَلِكَ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْصَافِ النَّهَارِ فَيَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَأْذَنَهُ يَوْمًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute