[٣٤ \ ٤٦] وَقَوْلِهِ: أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ [٢٣] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْمُبَيِّنَةِ إِبْطَالَ كُلِّ مَا ادَّعَوْهُ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقُرْآنِ.
وَقَوْلُهُ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ [٢١ \ ٥] أَيْ: أَخْلَاطٌ كَالْأَحْلَامِ الْمُخْتَلِفَةِ الَّتِي يَرَاهَا النَّائِمُ وَلَا حَقِيقَةَ لَهَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
أَحَادِيثُ طسم أَوْ سَرَابٌ بِفَدْفَدِ ... تَرَقْرَقَ لِلسَّارِي وَأَضْغَاثُ حَالِمِ
وَعَنِ الْيَزِيدِيِّ: الْأَضْغَاثُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْوِيلٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ.
ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْكُفَّارَ اقْتَرَحُوا عَلَى نَبِيِّنَا أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ كَآيَاتِ الرُّسُلِ قَبْلَهُ؛ نَحْوِ نَاقَةِ صَالِحٍ، وَعَصَى مُوسَى، وَرِيحِ سُلَيْمَانَ، وَإِحْيَاءِ عِيسَى لِلْأَمْوَاتِ، وَإِبْرَائِهِ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَإِيضَاحُ وَجْهِ التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِهِ: كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ هُوَ أَنَّهُ فِي مَعْنَى: كَمَا أَتَى الْأَوَّلُونَ بِالْآيَاتِ؛ لِأَنَّ إِرْسَالَ الرُّسُلِ مُتَضَمِّنٌ لِلْإِتْيَانِ بِالْآيَاتِ. فَقَوْلُكَ أَرْسَلَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُعْجِزَةِ. وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي اقْتَرَحُوهَا لَوْ جَاءَتْهُمْ مَا آمَنُوا، وَأَنَّهَا لَوْ جَاءَتْهُمْ وَتَمَادَوْا عَلَى كُفْرِهِمْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مُسْتَأْصِلٍ، كَمَا أَهْلَكَ قَوْمَ صَالِحٍ لَمَّا عَقَرُوا النَّاقَةَ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا الْآيَةَ [١٧ \ ٥٩] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ [٦ \ ١٠٩] . وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ هُنَا فِي قَوْلِهِ: مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ [٢١ \ ٦] يَعْنِي أَنَّ الْأُمَمَ الَّذِينَ اقْتَرَحُوا الْآيَاتِ مِنْ قَبْلِهِمْ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِمَا اقْتَرَحُوا لَمْ يُؤْمِنُوا، بَلْ تَمَادَوْا فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، وَأَنْتُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ عُتُوًّا وَعِنَادًا. فَلَوْ جَاءَكُمْ مَا اقْتَرَحْتُمْ مَا آمَنْتُمْ، فَهَلَكْتُمْ كَمَا هَلَكُوا. وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ [١٠ \ ٩٦ - ٩٧] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَبَيِّنَ أَنَّهُمْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ هِيَ أَعْظَمُ الْآيَاتِ، فَيَسْتَحِقُّ مَنْ لَمْ يَكْتَفِ بِهَا التَّقْرِيعَ وَالتَّوْبِيخَ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ الْآيَةَ [٢٩
- ٥١] . وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ: وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute