للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٨٠ \ ٢٤ - ٢٦] .

وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ عَطِيَّةَ، وَغَيْرُهُمَا؛ لِلْقَرَائِنِ الَّتِي ذَكَرْنَا. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ كَثْرَةُ وُرُودِ الِاسْتِدْلَالِ بِإِنْزَالِ الْمَطَرِ، وَإِنْبَاتِ النَّبَاتِ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعِظَمِ مِنَّتِهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَقُدْرَتِهِ عَلَى الْبَعْثِ. وَالَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الْمُرَادَ بِالرَّتْقِ وَالْفَتْقِ أَنَّهُمَا كَانَتَا مُتَلَاصِقَتَيْنِ، فَفَتَقَهُمَا اللَّهُ وَفَصَلَ بَعْضَهُمَا عَنْ بَعْضٍ - قَالُوا فِي قَوْلِهِ: أَوَلَمْ يَرَ أَنَّهَا مِنْ «رَأَى» الْعِلْمِيَّةِ لَا الْبَصْرِيَّةِ، وَقَالُوا: وَجْهُ تَقْرِيرِهِمْ بِذَلِكَ أَنَّهُ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ، وَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ أَمْرٌ قَطْعِيٌّ لَا سَبِيلَ لِلشَّكِّ فِيهِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَأَقْرَبُ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ هُوَ مَا ذَكَرْنَا دَلَالَةَ الْقَرَائِنِ الْقُرْآنِيَّةِ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَرَجَّحُوا هَذَا الْوَجْهَ عَلَى سَائِرِ الْوُجُوهِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ إِلَّا وَلِلْمَاءِ تَعَلُّقٌ بِمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِلَّا إِذَا كَانَ الْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَا.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْوَجْهُ مَرْجُوحٌ؛ لِأَنَّ الْمَطَرَ لَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاوَاتِ بَلْ مِنْ سَمَاءٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ سَمَاءُ الدُّنْيَا.

قُلْنَا: إِنَّمَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ لَفْظَ الْجَمْعِ لِأَنَّ كُلَّ قِطْعَةٍ مِنْهَا سَمَاءٌ، كَمَا يُقَالُ: ثَوْبٌ أَخْلَاقٌ، وَبُرْمَةٌ أَعْشَارٌ. اهـ مِنْهُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ.

الظَّاهِرُ أَنَّ «جَعَلَ» هُنَا بِمَعْنَى خَلَقَ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَدِّيَةٌ لِمَفْعُولٍ وَاحِدٍ. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ «النُّورِ» : وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ [٢٤ \ ٤٥] .

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى خَلْقِ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْمَاءِ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْمَاءُ الَّذِي خُلِقَ مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ هُوَ النُّطْفَةُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ جَمِيعَ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي تُولَدُ عَنْ طَرِيقِ التَّنَاسُلِ مِنَ النُّطَفِ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مِنَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هُوَ الْمَاءُ الْمَعْرُوفُ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَاتِ إِمَّا مَخْلُوقَةً مِنْهُ مُبَاشَرَةً كَبَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي تَتَخَلَّقُ مِنَ الْمَاءِ، وَإِمَّا غَيْرَ مُبَاشِرَةٍ؛ لِأَنَّ النُّطَفَ مِنَ الْأَغْذِيَةِ، وَالْأَغْذِيَةُ كُلُّهَا نَاشِئَةٌ عَنِ الْمَاءِ، وَذَلِكَ فِي الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَنَحْوِهَا ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي اللُّحُومِ، وَالْأَلْبَانِ، وَالْأَسْمَانِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ كُلُّهُ نَاشِئٌ بِسَبَبِ الْمَاءِ.

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: مَعْنَى خَلْقِهِ كُلَّ حَيَوَانٍ مِنْ مَاءٍ أَنَّهُ كَأَنَّمَا خَلَقَهُ مِنَ الْمَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>