للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَحُكْمُ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْخَمْرُ: التَّحْرِيمُ. وَشُرُوطُ هَذِهِ الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ وَالْبَحْثُ فِيهَا مُسْتَوْفًى فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، فَلَا نُطِيلُ بِهِ الْكَلَامَ هُنَا.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ يَنْقَسِمُ بِالنَّظَرِ إِلَى الْجَامِعِ بَيْنَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

الْأَوَّلُ: قِيَاسُ الْعِلَّةِ.

وَالثَّانِي: قِيَاسُ الدَّلَالَةِ.

وَالثَّالِثُ: قِيَاسُ الشَّبَهِ.

أَمَّا قِيَاسُ الْعِلَّةِ فَضَابِطُهُ أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ بِنَفْسِ عِلَّةِ الْحُكْمِ، فَالْجَمْعُ بَيْنَ النَّبِيذِ وَالْخَمْرِ بِنَفْسِ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْإِسْكَارُ، وَالْقَصْدُ مُطْلَقُ التَّمْثِيلِ؛ لِأَنَّا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ قِيَاسَ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ لَا يَصِحُّ؛ لِوُجُودِ النَّصِّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَأَنَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ ". وَالْقِيَاسُ لَا يَصِحُّ مَعَ التَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ كَحُكْمِ الْأَصْلِ، إِلَّا أَنَّ الْمِثَالَ يَصِحُّ بِالتَّقْدِيرِ وَالْفَرْضِ، وَمُطْلَقِ الِاحْتِمَالِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَكَالْجَمْعِ بَيْنَ الْبُرِّ وَالذُّرَةِ بِنَفْسِ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْكَيْلُ مَثَلًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْمَرَاقِي بِقَوْلِهِ:

وَمَا بِذَاتِ عِلَّةٍ قَدْ جُمِعَا ... فِيهِ فَقَيْسُ عِلَّةٍ قَدْ سُمِعَا

وَأَمَّا قِيَاسُ الدَّلَالَةِ فَضَابِطُهُ أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ فِيهِ بِدَلِيلِ الْعِلَّةِ لَا بِنَفْسِ الْعِلَّةِ، كَأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ بِمَلْزُومِ الْعِلَّةِ أَوْ أَثَرِهَا أَوْ حُكْمِهَا. فَمِثَالُ الْجَمْعِ بِمَلْزُومِ الْعِلَّةِ أَنْ يُقَالَ: النَّبِيذُ حَرَامٌ كَالْخَمْرِ بِجَامِعِ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ، وَهِيَ مَلْزُومٌ لِلْإِسْكَارِ، بِمَعْنَى أَنَّهَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْإِسْكَارِ. وَمِثَالُ الْجَمْعِ بِأَثَرِ الْعِلَّةِ أَنْ يُقَالَ: الْقَتْلُ بِالْمُثْقَلِ يُوجِبُ الْقِصَاصَ كَالْقَتْلِ بِمُحَدَّدٍ، بِجَامِعِ الْإِثْمِ وَهُوَ أَثَرُ الْعِلَّةِ وَهِيَ لِلْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ. وَمِثَالُ الْجَمْعِ بِحُكْمِ الْعِلَّةِ أَنْ يُقَالَ: تُقْطَعُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ كَمَا يُقْتَلُونَ بِهِ، بِجَامِعِ وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ غَيْرَ عَمْدٍ، وَهُوَ حُكْمُ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْقِطَعُ مِنْهُمْ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَالْقَتْلُ مِنْهُمْ فِي الثَّانِيَةِ. وَإِلَى تَعْرِيفِ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ الْمَذْكُورِ أَشَارَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ بِقَوْلِهِ:

جَامِعُ ذِي الدَّلَالَةِ الَّذِي لَزِمْ ... فَأَثَّرَ فَحُكْمُهَا كَمَا رُسِمْ

وَقَوْلُهُ: " الَّذِي لَزِمَ " بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ يَعْنِي اللَّازِمَ، وَتَعْبِيرُهُ هُنَا بِاللَّازِمِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ غَلَطٌ مِنْهُ وَمِمَّنْ تَبِعَهُ هُوَ؛ لِأَنَّ وُجُودَ اللَّازِمِ لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى وُجُودِ الْمَلْزُومِ بِإِطْبَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>