للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَدْخُلُ فِي تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ، فَمَا ظَنُّكَ بِسَائِرِ الْأَحْكَامِ؟ وَإِلَى الشَّبَهِ الْمَذْكُورِ أَشَارَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ بِقَوْلِهِ:

وَالشَّبَهُ الْمُسْتَلْزِمُ الْمُنَاسَبَا ... مِثْلُ الْوُضُو يَسْتَلْزِمُ التَّقَرُّبَا

مَعَ اعْتِبَارِ جِنْسِهِ الْقَرِيبِ ... فِي مِثْلِهِ لِلْحُكْمِ لَا الْغَرِيبِ

صَلَاحُهُ لَمْ يَدْرِ دُونَ الشَّرْعِ ... وَلَمْ يُنَطْ مُنَاسِبٌ بِالسَّمْعِ

وَحَيْثُمَا أَمْكَنَ قَيْسُ الْعِلَّةِ ... فَتَرْكُهُ بِالِاتِّفَاقِ أَثْبَتُ

إِلَّا فَفِي قَبُولِهِ تَرَدُّدْ ... غَلَبَةُ الْأَشْبَاهِ هُوَ الْأَجْوَدْ

فِي الْحُكْمِ وَالصِّفَةِ ثُمَّ الْحُكْمِ ... فَصِفَةٌ فَقَطْ لَدَى ذِي الْعِلْمِ

وَابْنُ عُلَيَّةَ يَرَى لِلصُّورِي ... كَالْقَيْسِ لِلْخَيْلِ عَلَى الْحَمِيرِ

وَاعْلَمْ أَنَّ قِيَاسَ الطَّرْدِ يَصْدُقُ بِأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الطَّرْدَ يُطْلَقُ إِطْلَاقَيْنِ: يُطْلَقُ عَلَى الْوَصْفِ الطَّرْدِيِّ الَّذِي لَا يَصْلُحُ لِإِنَاطَةِ حُكْمٍ بِهِ لِخُلُوِّهِ مِنَ الْفَائِدَةِ. كَمَا لَوْ ظَنَّ بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ بِلَحْمِ الْجَزُورِ أَنَّ عِلَّةَ النَّقْضِ بِهِ الْحَرَارَةُ، فَأَلْحَقَ بِهِ لَحْمَ الظَّبْيِ قَائِلًا: إِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ قِيَاسًا عَلَى لَحْمِ الْجَزُورِ بِجَامِعِ الْحَرَارَةِ، فَهَذَا الْقِيَاسُ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْوَصْفَ الْجَامِعَ فِيهِ طَرْدِيٌّ. وَمِثْلُهُ كُلُّ مَا كَانَ الْوَصْفُ الْجَامِعُ فِيهِ طَرْدِيًّا وَهُوَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لِلَّذِينِ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا قِيَاسُ الطَّرْدِ.

وَالْأَمْرُ الثَّانِي: مِنْهُمَا هُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي الْوَصْفُ الْجَامِعُ فِيهِ مُسْتَنْبَطًا بِالْمَسْلَكِ الثَّامِنِ الْمَعْرُوفِ (بِالطَّرْدِ) وَهُوَ الدَّوْرِيُّ الْوُجُودِيُّ، وَإِيضَاحُهُ أَنَّهُ مُقَارَنَةُ الْحُكْمِ لِلْوَصْفِ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ غَيْرَ الصُّورَةِ الَّتِي فِيهَا النِّزَاعُ فِي الْوُجُودِ فَقَطْ دُونَ الْعَدَمِ. وَالِاخْتِلَافُ فِي إِفَادَتِهِ الْعِلَّةَ مَعْرُوفٌ فِي الْأُصُولِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مُوَضَّحٌ فِي فَنِّ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَالْأَدِلَّةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ الْمُعَيَّنَ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ الْمُعَيَّنِ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِمَسَالِكِ الْعِلَّةِ، وَهِيَ عَشْرَةٌ عِنْدَ مَنْ يَعُدُّ مِنْهَا إِلْغَاءَ الْفَارِقِ، وَتِسْعَةٌ عِنْدَ مَنْ لَا يَعُدُّهُ مِنْهَا، وَهِيَ: النَّصُّ، وَالْإِجْمَاعُ، وَالْإِيمَاءُ، وَالسَّبْرُ، وَالتَّقْسِيمُ، وَالْمُنَاسَبَةُ، وَالشَّبَهُ، وَالدَّوَرَانُ، وَالطَّرْدُ، وَتَنْقِيحُ الْمَنَاطِ، وَإِلْغَاءُ الْفَارِقِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ تَنْقِيحِ الْمَنَاطِ كَمَا قَدَّمْنَا.

وَقَدْ نَظَّمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:

مَسَالِكُ عِلَّةٍ رَتِّبْ فَنَصٌّ ... فَإِجْمَاعٌ فَإِيمَاءٌ فَسَبْرُ

مُنَاسَبَةٌ كَذَا مُشْبِهٌ فَيَتْلُو ... لَهُ الدَّوَرَانُ طَرْدٌ يَسْتَمِرُّ

فَتَنْقِيحُ الْمَنَاطِ فَأَلْغِ فَرْقًا ... وَتِلْكَ لِمَنْ أَرَادَ الْحَصْرَ عَشْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>