وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَأْكُلُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَشْرَبُوا فِي صِحَافِهَا؛ فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» . وَقَوْلِهِ: «الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» وَهَذَا التَّحْرِيمُ لَا يَخْتَصُّ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، بَلْ يَعُمُّ سَائِرَ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ بِهَا، وَلَا يَتَوَضَّأَ بِهَا، وَلَا يَكْتَحِلَ مِنْهَا، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَشُكُّ فِيهِ عَالِمٌ.
وَمِنْ ذَلِكَ نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُحَرِمَ عَنْ لُبْسِ الْقَمِيصِ، وَالسَّرَاوِيلِ، وَالْعِمَامَةِ، وَالْخُفَّيْنِ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَقَطْ، بَلْ يَتَعَدَّى النَّهْيُ إِلَى الْجِبَابِ، وَالْأَقْبِيَةِ، وَالطَّيْلَسَانِ، وَالْقَلَنْسُوَةِ، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ مِنَ الْمَلْبُوسَاتِ.
وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» فَلَوْ ذَهَبَ مَعَهُ بِخِرْقَةِ تَنْظِيفٍ أَكْثَرَ مِنَ الْأَحْجَارِ، أَوْ قُطْنٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ خَزٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ جَازَ. وَلَيْسَ لِلشَّارِعِ غَرَضٌ فِي غَيْرِ التَّنْظِيفِ وَالْإِزَالَةِ، فَمَا كَانَ أَبْلَغَ فِي ذَلِكَ كَانَ مِثْلَ الْأَحْجَارِ فِي الْجَوَازِ أَوْ أَوْلَى.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ أَوْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَتِهِ» . مَعْلُومٌ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا فِي الْبَيْعِ وَالْخِطْبَةِ مَوْجُودَةٌ فِي الْإِجَارَةِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ عَلَى إِجَارَتِهِ. وَإِنَّ قُدِّرَ دُخُولُ الْإِجَارَةِ فِي لَفْظِ الْبَيْعِ الْعَامِّ وَهُوَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ فَحَقِيقَتُهَا غَيْرُ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ، وَأَحْكَامُهَا غَيْرُ أَحْكَامِهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [٥ \ ٦] فَأَلْحَقَتِ الْأُمَّةُ أَنْوَاعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ عَلَى اخْتِلَافِهَا فِي نَقْضِهَا بِالْغَائِطِ. وَالْآيَةُ لَمْ تَنُصَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ إِلَّا عَلَيْهِ وَعَلَى اللَّمْسِ، عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَهُ بِمَا دُونَ الْجِمَاعِ. وَأَلْحَقَتِ الِاحْتِلَامَ بِمُلَامَسَةِ النِّسَاءِ، وَأَلْحَقَتْ وَاجِدَ ثَمَنِ الْمَاءِ بِوَاجِدِهِ، وَأَلْحَقَتْ مَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ بَهَائِمِهِ مِنَ الْعَطَشِ إِذَا تَوَضَّأَ بِعَادِمِ الْمَاءِ، فَجَوَّزَتْ لَهُ التَّيَمُّمَ وَهُوَ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ. وَأَلْحَقَتْ مَنْ خَشِيَ الْمَرَضَ مِنْ شِدَّةِ بِرْدِ الْمَاءِ بِالْمَرِيضِ فِي الْعُدُولِ عَنْهُ إِلَى الْبَدَلِ. وَإِدْخَالُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَأَمْثَالِهَا فِي الْعُمُومَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ الَّتِي لَا يَسْتَرِيبُ مَنْ لَهُ فَهْمٌ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي قَصْدِ عُمُومِهَا وَتَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِهِ، وَكَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِمَصْلَحَةِ الْعَبْدِ - أَوْلَى مِنْ إِدْخَالِهَا فِي عُمُومَاتٍ لَفْظِيَّةٍ بَعِيدَةِ التَّنَاوُلِ لَهَا لَيْسَتْ بِحَرِيَّةِ الْفَهْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute