للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ: لَا تَشْرَبْ هَذَا الشَّرَابَ فَإِنَّهُ مُسْكِرٌ فَهُوَ نَهْيٌ لَهُ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ. وَلَا تَتَزَوَّجْ هَذِهِ الْمَرْأَةَ فَإِنَّهَا فَاجِرَةٌ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ الْخَطَأِ.

الثَّانِي: تَقْصِيرُهُمْ فِي فَهْمِ النُّصُوصِ، فَكَمْ مِنْ حُكْمٍ دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ وَلَمْ يَفْهَمُوا دَلَالَتَهُ عَلَيْهِ. وَسَبَبُ هَذَا الْخَطَأِ حَصْرُهُمُ الدَّلَالَةَ فِي مُجَرَّدِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ دُونَ إِيمَائِهِ وَتَنْبِيهِهِ وَإِشَارَتِهِ وَعُرْفِهِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ، فَلَمْ يَفْهَمُوا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [١٧ \ ٢٣] ضَرْبًا، وَلَا سَبًّا، وَلَا إِهَانَةً غَيْرَ لَفْظَةِ: " أُفٍّ " فَقَصَّرُوا فِي فَهْمِ الْكِتَابِ كَمَا قَصَّرُوا فِي اعْتِبَارِ الْمِيزَانِ الْخَطَأِ.

الثَّالِثُ: تَحْمِيلُ الِاسْتِصْحَابِ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّهُ، وَجَزْمُهُمْ بِمُوجِبِهِ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِالنَّاقِلِ، وَلَيْسَ عَدَمُ الْعِلْمِ عِلْمًا بِالْعَدَمِ.

وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي الِاسْتِصْحَابِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ أَقْسَامَهُ. ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ أَقْسَامَ الِاسْتِصْحَابِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهَا فِي سُورَةِ «بَرَاءَةَ» وَجَعَلَهَا هُوَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ وَأَطَالَ فِيهَا الْكَلَامَ.

وَالْمَعْرُوفُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:

الْأَوَّلُ: اسْتِصْحَابُ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ حَتَّى يَرِدَ النَّافِلُ عَنْهُ وَهُوَ الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَالْإِبَاحَةُ الْعَقْلِيَّةُ. كَقَوْلِنَا: الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنَ الدَّيْنِ فَلَا تُغْمَزُ بِدَيْنٍ إِلَّا بِدَلِيلٍ نَافِلٍ عَنِ الْأَصْلِ يُثْبِتُ ذَلِكَ. وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ وُجُوبِ صَوْمِ شَهْرٍ آخَرَ غَيْرِ رَمَضَانَ، فَيَلْزَمُ اسْتِصْحَابُ هَذَا الْعَدَمِ حَتَّى يَرِدَ نَافِلٌ عَنْهُ، وَهَكَذَا.

النَّوْعُ الثَّانِي: اسْتِصْحَابُ الْوَصْفِ الْمُثْبِتِ لِلْحُكْمِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ، كَاسْتِصْحَابِ بَقَاءِ النِّكَاحِ وَبَقَاءِ الْمِلْكِ وَبَقَاءِ شُغْلِ الذِّمَّةِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ.

الثَّالِثُ: اسْتِصْحَابُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَخِيرَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ حُجَّةٌ، وَكِلَا الْأَوَّلَيْنِ حُجَّةٌ بِلَا خِلَافٍ فِي الْجُمْلَةِ.

الرَّابِعُ: الِاسْتِصْحَابُ الْمَقْلُوبُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ وَأَمْثِلَتَهُ فِي سُورَةِ «التَّوْبَةِ» .

الْخَطَأُ الرَّابِعُ لَهُمْ: هُوَ اعْتِقَادُهُمْ أَنَّ عُقُودَ الْمُسْلِمِينَ وَشُرُوطَهُمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ كُلُّهَا عَلَى الْبَاطِلِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى الصِّحَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَقُمْ عِنْدَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ شَرْطٍ أَوْ عَقْدٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ اسْتَصْحَبُوا بُطْلَانَهُ، فَأَفْسَدُوا بِذَلِكَ كَثِيرًا مِنْ مُعَامَلَاتِ النَّاسِ وَعُقُودِهِمْ وَشُرُوطِهِمْ بِلَا بُرْهَانٍ مِنَ اللَّهِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى خِلَافِهِ، وَأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>