للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَعَالَى: وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [٢٤ \ ٢١] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ دَلِيلِ خِطَابِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، أَعْنِي مَفْهُومَ مُخَالَفَتِهَا: أَنَّهُ مَنْ يُجَادِلُ بِعِلْمٍ عَلَى ضَوْءِ هُدَى كِتَابٍ مُنِيرٍ، كَهَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ; لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ بِتِلْكَ الْمُجَادَلَةِ الْحَسَنَةِ - أَنَّ ذَلِكَ سَائِغٌ مَحْمُودٌ ; لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ: بِغَيْرِ عِلْمٍ [٢٢ \ ٣] أَنَّهُ إِنْ كَانَ بِعِلْمٍ فَالْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ اتِّبَاعٌ لِلشَّيْطَانِ، وَيَدُلُّ لِهَذَا الْمَفْهُومِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [١٦ \ ١٢٥] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.

وَقَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: هَذِهِ الْآيَةُ بِمَفْهُومِهَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْمُجَادَلَةِ الْحَقَّةِ ; لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْمُجَادَلَةِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالدَّلَائِلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُجَادَلَةَ مَعَ الْعِلْمِ جَائِزَةٌ، فَالْمُجَادَلَةُ الْبَاطِلَةُ: هِيَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا [٤٣ \ ٥٨] وَالْمُجَادَلَةُ الْحَقَّةُ هِيَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [١٦ \ ١٢٥] اهـ مِنْهُ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: عَذَابِ السَّعِيرِ [٢٢ \ ٤] يَعْنِي عَذَابَ النَّارِ، فَالسَّعِيرُ النَّارُ، أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِخْوَانَنَا الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَصْلَ السَّعِيرِ فَعِيلٌ، بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: سَعَرَ النَّارَ يَسْعَرُهَا، كَمَنَعَ يَمْنَعُ: إِذَا أَوْقَدَهَا، وَكَذَلِكَ سَعَّرَهَا بِالتَّضْعِيفِ، وَعَلَى لُغَةِ التَّضْعِيفِ وَالتَّخْفِيفِ الْقِرَاءَتَانِ السَّبْعِيَّتَانِ فِي قَوْلِهِ: وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ [٨١ \ ١٢] فَقَدْ قَرَأَهُ مِنَ السَّبْعَةِ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ ذَكْوَانَ، وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ: سُعِّرَتْ بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ، وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِتَخْفِيفِ الْعَيْنِ، وَمِمَّا جَرَى مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى نَحْوِ قِرَاءَةِ نَافِعٍ وَابْنِ ذَكْوَانَ وَحَفْصٍ، قَوْلُ بَعْضِ شُعَرَاءِ الْحَمَاسَةِ:

قَالَتْ لَهُ عُرْسَهُ يَوْمًا لِتُسْمِعَنِي ... مَهْلًا فَإِنَّ لَنَا فِي أُمِّنَا أَرَبَا

وَلَوْ رَأَتْنِي فِي نَارٍ مُسَعَّرَةٍ ... ثُمَّ اسْتَطَاعَتْ لَزَادَتْ فَوْقَهَا حَطَبَا

إِذْ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ: مُسَعَّرَةٍ: اسْمُ مَفْعُولِ سُعِّرَتْ بِالتَّضْعِيفِ، وَبِمَا ذَكَرْنَا يَظْهَرُ أَنَّ أَصْلَ السَّعِيرِ: فَعِيلٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ؛ أَيْ: النَّارُ الْمُسَعَّرَةُ؛ أَيْ: الْمُوقَدَةُ إِيقَادًا شَدِيدًا ; لِأَنَّهَا بِشِدَّةِ الْإِيقَادِ يَزْدَادُ حَرُّهَا عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ مَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ.

وَفِي ذَلِكَ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ، إِلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْقُرْآنِ، وَهِيَ أَسْعَرَ النَّارَ. بِصِيغَةِ أَفْعَلَ، بِمَعْنَى: أَوْقَدَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>