للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاخْتَلَطَتْ بِالتُّرَابِ ; لِأَنَّ الْإِعَادَةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ أَصْعَبَ مِنِ ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ، وَهَذَا الْبُرْهَانُ الْقَاطِعُ عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَعْثِ - الَّذِي هُوَ خَلْقُهُ تَعَالَى لِلْخَلَائِقِ الْمَرَّةَ الْأُولَى - الْمَذْكُورُ هُنَا، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [٣٠ \ ٢٧] ، وَقَوْلِهِ: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [٣٦ \ ٧٩] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [٢١ \ ١٠٤] ، وَقَوْلِهِ: فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [١٧ \ ٥١] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [٥٠ \ ١٥] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ [٥٦ \ ٦٢] ، وَقَوْلِهِ: أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى إِلَى قَوْلِهِ: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [٧٥ \ ٤٠] وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَسُورَةِ النَّحْلِ وَغَيْرِهِمَا، وَلِأَجْلِ قُوَّةِ دَلَالَةِ هَذَا الْبُرْهَانِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْبَعْثِ بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ فَهُوَ نَاسٍ لِلْإِيجَادِ الْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ [٣٦ \ ٧٨] ، إِذْ لَوْ تَذَكَّرَ الْإِيجَادَ الْأَوَّلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، لَمَا أَمْكَنَهُ إِنْكَارُ الْإِيجَادِ الثَّانِي، وَكَقَوْلِهِ: وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا [١٩ \ ٦٦ - ٦٧] إِذْ لَوْ تَذَكَّرَ ذَلِكَ تَذَكُّرًا حَقِيقِيًّا لَمَا أَنْكَرَ الْخَلْقَ الثَّانِيَ، وَقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ [٢٢ \ ٥] ؛ أَيْ فِي شَكٍّ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ الْأَمْوَاتَ، فَالرَّيْبُ فِي الْقُرْآنِ يُرَادُ بِهِ الشَّكُّ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ قَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ طه: أَنَّ التَّحْقِيقَ فِي مَعْنَى خَلْقِهِ لِلنَّاسِ مِنْ تُرَابٍ، أَنَّهُ خَلَقَ أَبَاهُمْ آدَمَ مِنْهَا، ثُمَّ خَلَقَ مِنْهُ زَوْجَهُ، ثُمَّ خَلَقَهُمْ مِنْهُمَا عَنْ طَرِيقِ التَّنَاسُلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ [٣ \ ٥٩] فَلَمَّا كَانَ أَصْلُهُمُ الْأَوَّلُ مِنْ تُرَابٍ، أَطْلَقَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ خَلَقَهُمْ مِنْ تُرَابٍ ; لِأَنَّ الْفُرُوعَ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ.

وَقَدْ بَيَّنَّا فِي طه أَيْضًا أَنَّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى خَلْقِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ تُرَابٍ: أَنَّهُ خَلَقَهُمْ مِنَ النُّطَفِ، وَالنُّطَفُ مِنَ الْأَغْذِيَةِ، وَالْأَغْذِيَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى التُّرَابِ - غَيْرُ صَحِيحٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا هُنَاكَ الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا الْقَوْلِ.

وَقَدْ ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَطْوَارَ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، فَبَيَّنَ أَنَّ ابْتِدَاءَ خَلْقِهِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>