عَنْهُمُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُخَلَّقَةَ: هِيَ مَا وُلِدَ حَيًّا، وَغَيْرَ الْمُخَلَّقَةِ: هِيَ مَا كَانَ مِنْ سِقْطٍ.
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ: ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَقَالَ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ: إِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَصَحَّحَهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَأَنْشَدَ لِذَلِكَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
أَفِي غَيْرِ الْمُخَلَّقَةِ الْبُكَاءُ ... فَأَيْنَ الْحَزْمُ وَيْحَكِ وَالْحَيَاءُ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْمُخَلَّقَةُ: الْمُصَوَّرَةُ خَلْقًا تَامًّا. وَغَيْرُ الْمُخَلَّقَةِ: السِّقْطُ قَبْلَ تَمَامِ خَلْقِهِ ; لِأَنَّ الْمُخَلَّقَةَ وَغَيْرَ الْمُخَلَّقَةِ مِنْ نَعْتِ الْمُضْغَةِ، وَالنُّطْفَةُ بَعْدَ مَصِيرِهَا مُضْغَةً لَمْ يَبْقَ لَهَا حَتَّى تَصِيرَ خَلْقًا سَوِيًّا إِلَّا التَّصْوِيرُ. وَذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ [٢٢ \ ٥] خَلْقًا سَوِيًّا، وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ: بِأَنْ تُلْقِيَهِ الْأُمُّ مُضْغَةً بِلَا تَصْوِيرٍ، وَلَا يُنْفَخُ الرُّوحَ. انْتَهَى مِنْهُ.
وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، اخْتَارَهُ أَيْضًا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، لَا يَظْهَرُ صَوَابُهُ، وَفِي نَفْسِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ قَوْلُهُ جَلَّ وَعَلَا فِي أَوَّلِ الْآيَةِ: فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ [٢٢ \ ٥] لِأَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ الَّذِي اخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ يَصِيرُ الْمَعْنَى: ثُمَّ خَلَقْنَاكُمْ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ، وَخَلَقْنَاكُمْ مِنْ مُضْغَةٍ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ. وَخِطَابُ النَّاسِ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ بَعْضَهُمْ مِنْ مُضْغَةٍ غَيْرِ مُصَوَّرَةٍ، فِيهِ مِنَ التَّنَاقُضِ كَمَا تَرَى ; فَافْهَمْ.
فَإِنْ قِيلَ: فِي نَفْسِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِغَيْرِ الْمُخَلَّقَةِ: السِّقْطُ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [٢٢ \ ٥] يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ هُنَاكَ قِسْمًا آخَرَ لَا يُقِرُّهُ اللَّهُ فِي الْأَرْحَامِ، إِلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ الْمُسَمَّى، وَهُوَ السِّقْطُ.
فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فَهْمُ السِّقْطِ مِنَ الْآيَةِ ; لِأَنَّ اللَّهَ يُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا يَشَاءُ أَنْ يُقِرَّهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَقَدْ يُقِرُّهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَقَدْ يُقِرُّهُ تِسْعَةً، وَقَدْ يُقِرُّهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَيْفَ شَاءَ.
أَمَّا السِّقْطُ: فَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ ; لِأَنَّ السِّقْطَ الَّذِي تُلْقِيهِ أُمُّهُ مَيِّتًا، وَلَوْ بَعْدَ التَّشْكِيلِ وَالتَّخْطِيطِ، لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ مِنْهُ إِنْسَانًا وَاحِدًا مِنَ الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ الْآيَةَ. فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي أَنَّ كُلًّا مِنَ