للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَرَّرَ يَدْعُو كَأَنَّهُ قَالَ: يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ. ثُمَّ قَالَ لِمَنْ ضَرُّهُ بِكَوْنِهِ مَعْبُودًا أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ بِكَوْنِهِ شَفِيعًا: لَبِئْسَ الْمَوْلَى، وَلَبِئْسَ الْعَشِيرِ. اهـ مِنْهُ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ جَوَابَ الزَّمَخْشَرِيِّ هَذَا غَيْرُ مُقْنِعٍ ; لِأَنَّ الْمَعْبُودَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَيْسَ فِيهِ نَفْعٌ الْبَتَّةَ، حَتَّى يُقَالَ فِيهِ: إِنَّ ضَرَّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ أَبُو حَيَّانَ عَدَمَ اتِّجَاهِ جَوَابِهِ الْمَذْكُورِ.

وَمِنْهَا: مَا أَجَابَ بِهِ أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ.

وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْآيَةَ الْأَوْلَى فِي الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، فَالْأَصْنَامُ لَا تَنْفَعُ مَنْ عَبَدَهَا، وَلَا تَضُرُّ مَنْ كَفَرَ بِهَا؛ وَلِذَا قَالَ فِيهَا: مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ وَالْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْأَصْنَامُ، هِيَ التَّعْبِيرُ بِلَفْظَةِ «مَا» فِي قَوْلِهِ: مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ [٢٢ \ ١٢] لِأَنَّ لَفْظَةَ «مَا» تَأْتِي لِمَا لَا يَعْقِلُ، وَالْأَصْنَامُ لَا تَعْقِلُ.

أَمَّا الْآيَةُ الْأُخْرَى فَهِيَ فِي مَنْ عَبَدَ بَعْضَ الطُّغَاةِ الْمَعْبُودِينَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، كَفِرْعَوْنَ الْقَائِلِ: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [٢٨ \ ٣٨] ، لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [٢٦ \ ٢٩] ، أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [٧٩ \ ٢٤] ، فَإِنَّ فِرْعَوْنَ وَنَحْوَهُ مِنَ الطُّغَاةِ الْمَعْبُودِينَ قَدْ يُغْدِقُونَ نِعَمَ الدُّنْيَا عَلَى عَابِدِيهِمْ؛ وَلِذَا قَالَ لَهُ الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا سَحَرَةً أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [٢٦ \ ٤١ - ٤٢] فَهَذَا النَّفْعُ الدُّنْيَوِيُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا سَيُلَاقُونَهُ مِنَ الْعَذَابِ وَالْخُلُودِ فِي النَّارِ كَلَا شَيْءٍ، فَضَرُّ هَذَا الْمَعْبُودِ بِخُلُودِ عَابِدِهِ فِي النَّارِ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ بِعَرَضٍ قَلِيلٍ زَائِلٍ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا، وَالْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ الْمَعْبُودَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ بَعْضُ الطُّغَاةِ الَّذِينَ هُمْ مَنْ جِنْسِ الْعُقَلَاءِ هِيَ التَّعْبِيرُ بِـ «مَنْ» الَّتِي تَأْتِي لِمَنْ يَعْقِلُ فِي قَوْلِهِ: يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ [٢٢ \ ١٣] هَذَا هُوَ خُلَاصَةُ جَوَابِ أَبِي حَيَّانَ، وَلَهُ اتِّجَاهٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّامَ فِي: يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ [٢٢ \ ١٣] فِيهَا إِشْكَالٌ مَعْرُوفٌ. وَلِلْعُلَمَاءِ عَنْ ذَلِكَ أَجْوِبَةٌ.

ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْهَا ثَلَاثَةً:

أحَدُهَا: أَنَّ اللَّامَ مُتَزَحْلِقَةٌ عَنْ مَحَلِّهَا الْأَصْلِيِّ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَسَالِيبِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ، وَالْأَصْلُ: يَدْعُو مَنْ لَضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ، وَعَلَى هَذَا فَـ «مَنْ» الْمَوْصُولَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>