وَلَنَا أَنَّهَا مَحْظُورَاتٌ مُخْتَلِفَةُ الْأَجْنَاسِ، فَلَمْ تَتَدَاخَلْ أَجْزَاؤُهَا كَالْحُدُودِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْأَيْمَانِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَعَكْسُهُ مَا إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ. انْتَهَى مِنَ «الْمُغْنِي» .
وَهَذَا هُوَ حَاصِلُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ فِي الْمَسْأَلَةِ.
وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: فَهُوَ أَنَّ الْمَحْظُورَاتِ تَنْقَسِمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى اسْتِهْلَاكٍ، كَالْحَلْقِ، وَالْقَلْمِ، وَالصَّيْدِ وَإِلَى اسْتِمْتَاعٍ، وَتَرَفُّهٍ كَالطِّيبِ، وَاللِّبَاسِ، وَمُقْدِمَاتِ الْجِمَاعِ فَإِذَا فَعَلَ مَحْظُورَيْنِ، فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا اسْتِهْلَاكًا، وَالْآخَرُ اسْتِمْتَاعًا، فَيُنْظَرَ: إِنْ لَمْ يَسْتَنِدْ إِلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ، كَالْحَلْقِ، وَلُبْسِ الْقَمِيصَ تَعَدَّدَتِ الْفِدْيَةُ كَالْحُدُودِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَإِنِ اسْتَنَدَ إِلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ، كَمَنْ أَصَابَتْ رَأَسَهُ شَجَّةٌ، وَاحْتَاجَ إِلَى حَلْقِ جَوَانِبِهَا، وَسَتَرَهَا بِضِمَادٍ، وَفِيهِ طِيبٌ، فَفِي تَعَدُّدِ الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ، وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا تَعَدُّدُهَا.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ اسْتِهْلَاكًا وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُقَابَلُ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ الصَّيْدُ. فَتَتَعَدَّدُ الْفِدْيَةُ بِتَعَدُّدِهِ، بِلَا خِلَافٍ عِنْدَهُمْ، سَوَاءٌ فَدَى عَنِ الْأَوَّلِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ اتَّحَدَ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ، أَوِ اخْتَلَفَا كَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِمَّا يُقَابَلُ بِمِثْلِهِ، دُونَ الْآخَرِ كَالصَّيْدِ وَالْحَلْقِ فَتَتَعَدَّدَ بِلَا خِلَافٍ. الضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يُقَابَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِمِثْلِهِ، فَيُنْظَرُ إِنِ اخْتَلَفَ نَوْعُهُمَا كَحَلْقٍ وَطِيبٍ أَوْ لِبَاسٍ وَحَلْقٍ، تَعَدَّدَتِ الْفِدْيَةُ، سَوَاءٌ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَوْ وَالَى فِي مَكَانٍ أَوْ مَكَانَيْنِ بِفِعْلَيْنِ أَمْ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا مُطَيَّبًا فَوَجْهَانِ عِنْدَهُمُ، الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ مِنْهُمَا: أَنَّ عَلَيْهِ فِدْيَةً وَاحِدَةً، وَالثَّانِي: عَلَيْهِ فِدْيَتَانِ، وَإِنِ اتَّحَدَ النَّوْعُ. فَإِنْ كَرَّرَ الْحَلْقَ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ - لَزِمَتْهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، كَمَنْ يَحْلِقُ رَأْسَهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ، وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الْحَلْقِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فِي الْيَوْمِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَوَضَعَ الطَّعَامَ، وَجَعَلَ يَأْكُلُ لُقْمَةً لُقْمَةً مِنْ بُكْرَةٍ إِلَى الْعَصْرِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمْ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْحَلْقُ فِي أَمْكِنَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَوْ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ فِي أَوْقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَفِيهِ عِنْدُهُمْ طَرِيقَانِ. أَصَحُّهُمَا: تَتَعَدَّدُ الْفِدْيَةُ فَتُفْرَدُ كُلُّ مَرَّةٍ بِحُكْمِهَا، فَإِنْ كَانَ حَلَقَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا، وَجَبَ لِكُلِّ مَرَّةٍ فِدْيَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ شَعْرَةً أَوْ شَعْرَتَيْنِ، فَفِيهَا الْأَقْوَالُ السَّابِقَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute