وَإِنَاثُهَا أَفْضَلُ مِنْ فُحُولِ الْمَعْزِ، وَفُحُولُ الضَّأْنِ خَيْرٌ مِنْ إِنَاثِ الْمَعْزِ، وَإِنَاثُ الْمَعْزِ خَيْرٌ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ: الْإِبِلُ أَفْضَلُ مِنَ الْبَقَرِ.
فَإِذَا عَرَفْتَ أَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَفْضَلِ مَا يُضَحَّى بِهِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْجُمْهُورَ الَّذِينَ قَالُوا الْبَدَنَةُ أَفْضَلُ، ثُمَّ الْبَقَرَةُ، ثُمَّ الشَّاةُ احْتَجُّوا بِأَدِلَّةٍ: مِنْهَا أَنَّ الْبَدَنَةَ أَعْظَمُ مِنَ الْبَقَرَةِ، وَالْبَقَرَةَ أَعْظَمُ مِنَ الشَّاةِ. وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ الْآيَةَ [٢٢ \ ٣٢] .
وَمِنْهَا مَا قَدَّمْنَا ثَابِتًا فِي الصَّحِيحِ أَنَّ الْبَقَرَةَ وَالْبَدَنَةَ كِلْتَاهُمَا تُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ فِي الْهَدْيِ، فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَعْدِلُ سَبْعَ شِيَاهٍ. وَكَوْنُهَا تَعْدِلُ سَبْعَ شِيَاهٍ، دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ شَاةٍ وَاحِدَةٍ.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، غَيْرَ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْمَعُونَ الذِّكْرَ» ، اهـ. قَالُوا: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ، عَلَى أَنَّ الْبَدَنَةَ أَفْضَلُ، ثُمَّ الْبَقَرَةُ، ثُمَّ الْكَبْشُ الْأَقْرَنُ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ. وَاحْتَجَّ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ: عَلَى أَنَّ التَّضْحِيَةَ بِالْغَنَمِ أَفْضَلُ: بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُضَحِّي بِالْغَنَمِ لَا بِالْإِبِلِ، وَلَا بِالْبَقَرِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا الْأَحَادِيثَ بِتَضْحِيَتِهِ بِكَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، وَتَضْحِيَتِهِ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، وَكُلُّهَا ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحِ كَمَا قَدَّمْنَا أَسَانِيدَهَا وَمُتُونَهَا. قَالُوا: وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُضَحِّي مُكَرِّرًا ذَلِكَ عَامًا بَعْدَ عَامٍ، إِلَّا بِمَا هُوَ الْأَفْضَلُ فِي الْأُضْحِيَّةِ. فَلَوْ كَانَتِ التَّضْحِيَةُ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ لَفَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ الْأَفْضَلَ.
قَالُوا فَإِنْ قِيلَ: أَهْدَى فِي حَجَّتِهِ الْإِبِلَ، وَلَمْ يُهْدِ الْغَنَمَ.
فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ أَهْدَى الْغَنَمَ أَيْضًا فَبَعَثَ بِهَا إِلَى الْبَيْتِ، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْإِبِلَ أَفْضَلُ فِي الْهَدْيِ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا أَفْضَلُ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةُ لَا يُنْكِرُونَ أَفْضَلِيَّةَ الْإِبِلِ فِي الْهَدْيِ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ: إِنَّ الْغَنَمَ أَفْضَلُ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَلِكُلٍّ مِنَ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ فَضْلٌ مِنْ جِهَةٍ ; فَالْإِبِلُ أَفْضَلُ مِنْ حَيْثُ كَثْرَةُ لَحْمِهَا، وَالْغَنَمُ أَفْضَلُ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ لَحْمَهَا أَطْيَبُ، وَأَلَذُّ. وَعِنْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute