سَائِمَةٍ فَرَعٌ تَغْذُوهُ مَاشِيَتُكَ حَتَّى إِذَا اسْتَحْمَلَ ذَبَحْتَهُ فَتَصَدَّقْتَ بِلَحْمِهِ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ أَبُو قِلَابَةَ، أَحَدُ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ: السَّائِمَةُ مِائَةٌ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفَرَعَةِ مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ وَاحِدَةٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ شَاةً شَاةٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: حَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ الرَّاوِي: أَرَاهُ عَنْ جَدِّهِ. قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْفَرَعِ، فَقَالَ: «الْفَرَعُ حَقٌّ، وَإِنْ تَرَكُوهُ حَتَّى يَكُونَ بِكْرًا أَوِ ابْنَ مَخَاضٍ أَوِ ابْنَ لَبُونٍ، فَتُعْطِيهِ أَرْمَلَةً أَوْ تَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذْبَحَهُ فَيَلْزَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ وَتَكْفَأَ إِنَاءَكَ وَتُولِهَ نَاقَتَكَ» ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْفَرَعُ حَقٌّ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ حِينَ يُولَدُ وَلَا شِبَعَ فِيهِ» ، وَلِذَا قَالَ: «تَذْبَحُهُ، فَيَلْزَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ» ، وَفِيهِ أَنَّ ذَهَابَ وَلَدِهَا يَدْفَعُ لَبَنَهَا، وَلِهَذَا قَالَ: «خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَكْفَأَ» يَعْنِي: أَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ، فَكَأَنَّكَ كَفَأْتَ إِنَاءَكَ وَأَرَقْتَهُ. وَأَشَارَ بِهِ إِلَى ذَهَابِ اللَّبَنِ، وَفِيهِ: أَنَّهُ يَفْجَعُهَا بِوَلَدِهَا، وَلِهَذَا قَالَ: «وَتُولِهَ نَاقَتَكَ» فَأَشَارَ بِتَرْكِهِ، حَتَّى يَكُونَ ابْنَ مَخَاضٍ، وَهُوَ ابْنُ سَنَةٍ، ثُمَّ يَذْهَبُ وَقَدْ طَابَ لَحْمُهُ وَاسْتَمْتَعَ بِلَبَنِ أُمِّهِ، وَلَا تَشُقُّ عَلَيْهَا مُفَارَقَتُهُ ; لِأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْهَا. هَذَا كَلَامُ أَبِي عُبَيْدٍ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَفَاتٍ، أَوْ قَالَ: بِمِنًى، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْعَتِيرَةِ؟ فَقَالَ: «مَنْ شَاءَ عَتَرَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِرْ، وَمَنْ شَاءَ فَرَّعَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يُفَرِّعْ» ، وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إِنَّا كُنَّا نَذْبَحُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ذَبَائِحَ فِي رَجَبٍ، فَنَأْكُلُ مِنْهَا، وَنُطْعِمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا بَأْسَ بِذَلِكَ» ، وَعَنْ أَبِي رَمْلَةَ، عَنْ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: كُنَّا وُقُوفًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَفَاتٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةٌ وَعَتِيرَةٌ هَلْ تَدْرِي مَا الْعَتِيرَةُ؟ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى الرَّجَبِيَّةَ» ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفُ الْمَخْرَجِ ; لِأَنَّ أَبَا رَمْلَةَ مَجْهُولٌ، هَذَا مُخْتَصَرُ مَا جَاءَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ اهـ كَلَامُ النَّوَوِيِّ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ مُسْتَوْفًى عَلَى حَدِيثِ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ الْمُقْتَضِي: أَنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ: أُضْحِيَّةً وَعَتِيرَةً، وَقَدْ عَلِمْتَ حُجَجَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَظْهَرَ عِنْدَنَا فِيهِمَا: النَّسْخُ، وَيَتَرَجَّحُ ذَلِكَ بِأُمُورٍ: مِنْهَا أَنَّ حَدِيثَ مُسْلِمٍ الْمُصَرِّحَ بِذَلِكَ أَصَحُّ مِنْ جَمِيعِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute