عِبَادَتَهَا وَالرِّجْسُ الْقَذَرُ الَّذِي تَعَافُهُ النُّفُوسُ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْأَمْرُ بِاجْتِنَابِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَيَدْخُلُ فِي حُكْمِهَا، وَمَعْنَاهَا عِبَادَةُ كُلِّ مَعْبُودٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَهَذَا الْأَمْرُ بِاجْتِنَابِ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ هُنَا، جَاءَ مُبَيَّنًا فِي آيَاتٍ كَقَوْلِهِ: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [١٦ \ ٣٦] وَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ إِيمَانِهِ بِاللَّهِ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [٢ \ ٢٥٦] وَأَثْنَى اللَّهُ عَلَى مُجْتَنِبِي عِبَادَةِ الطَّاغُوتِ الْمُنِيبِينَ لِلَّهِ، وَبَيَّنَ أَنَّ لَهُمُ الْبُشْرَى، وَهِيَ مَا يَسُرُّهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى الْآيَةَ [٣٩ \ ١٧] ، وَقَدْ سَأَلَ إِبْرَاهِيمُ رَبَّهُ أَنْ يَرْزُقَهُ اجْتِنَابَ عِبَادَةِ الطَّاغُوتِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [١٤ \ ٣٥] وَالْأَصْنَامُ تَدْخُلُ فِي الطَّاغُوتِ دُخُولًا أَوَّلِيًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ، أَمَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِاجْتِنَابِ قَوْلِ الزُّورِ، وَهُوَ الْكَذِبُ وَالْبَاطِلُ كَقَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْبَحِيرَةَ وَالسَّائِبَةَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَكَادِّعَائِهِمْ لَهُ الْأَوْلَادَ وَالشُّرَكَاءَ، وَكُلُّ قَوْلٍ مَائِلٍ عَنِ الْحَقِّ فَهُوَ زُورٌ، لِأَنَّ أَصْلَ الْمَادَّةِ الَّتِي هِيَ الزُّورُ مِنَ الِازْوِرَارِ بِمَعْنَى الْمَيْلِ، وَالِاعْوِجَاجِ، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ الْآيَةَ [١٨ \ ١٧] .
وَاعْلَمْ أَنَّا قَدْ قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا، أَنْ يُذْكَرَ لَفْظٌ عَامٌّ، ثُمَّ يُصَرَّحُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بِدُخُولِ بَعْضِ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْعَامِّ فِيهِ، وَتَقَدَّمَتْ لِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ، وَسَيَأْتِي بَعْضُ أَمْثِلَتِهِ فِي الْآيَاتِ الْقَرِيبَةِ مِنْ سُورَةِ الْحَجِّ هَذِهِ.
وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ هُنَا قَالَ: وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ بِصِيغَةٍ عَامَّةٍ، ثُمَّ بَيَّنَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بَعْضَ أَفْرَادِ قَوْلِ الزُّورِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْكُفَّارِ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا [٢٥ \ ٤] فَصَرَّحَ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ هَذَا مِنَ الظُّلْمِ وَالزُّورِ، وَقَالَ فِي الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ، وَيَقُولُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا [٥٨ \ ٢] فَصَرَّحَ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ، مُنْكَرٌ وَزُورٌ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute