للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَعْنِي أَعَفُّ مِنْ سُؤَالِ النَّاسِ، وَالطَّمَعِ فِيهِمْ، وَأَنَّ الْمُعْتَرَّ هُوَ الَّذِي يَعْتَرِي مُتَعَرِّضًا لِلْإِعْطَاءِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَطَلَبٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَدَّمْنَا حُكْمَ الْأَكْلِ مِنْ أَنْوَاعِ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا، وَأَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، قَوْلُهُ كَذَلِكَ: نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ أَيِ: الْبُدْنَ لَكُمْ تَسْخِيرًا كَذَلِكَ أَيْ: مِثْلَ ذَلِكَ التَّسْخِيرِ الَّذِي تُشَاهِدُونَ أَيْ: ذَلَّلْنَاهَا لَكُمْ، وَجَعَلْنَاهَا مُنْقَادَةً لَكُمْ تَفْعَلُونَ بِهَا مَا شِئْتُمْ مِنْ نَحْرٍ وَرُكُوبٍ، وَحَلْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنَافِعِ، وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ ذَلَّلَهَا لَكُمْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا ; لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْكُمْ أَلَا تَرَى الْبَعِيرَ، إِذَا تَوَحَّشَ صَارَ صَاحِبُهُ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَيْهِ، وَلَا مُتَمَكِّنٍ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَقَوْلُهُ هُنَا: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ قَدْ قَدَّمْنَا مِرَارًا أَنَّ لَعَلَّ تَأْتِي فِي الْقُرْآنِ لِمَعَانٍ أَقْرَبُهَا، اثْنَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا بِمَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ، الَّذِي هُوَ التَّرَجِّي وَالتَّوَقُّعُ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ خُصُوصُ الْخَلْقِ ; لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يُتَرَجَّى مِنْهُمْ شُكْرُ النِّعَمَ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ، بِأَنَّهُمْ يَشْكُرُونَهَا أَوْ لَا يُنْكِرُونَهَا لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِمَا تَؤُولُ إِلَيْهِ الْأُمُورُ، وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِمَا سَيَكُونُ فَلَا يَجُوزُ فِي حَقِّهِ - جَلَّ وَعَلَا - إِطْلَاقُ التَّرَجِّي وَالتَّوَقُّعِ لِتَنْزِيهِهِ عَنْ ذَلِكَ، وَإِحَاطَةِ عِلْمِهِ بِمَا يَنْكَشِفُ عَنْهُ الْغَيْبُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِمُوسَى وَهَارُونَ: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [٢٠ \ ٤٤] أَيْ عَلَى رَجَائِكُمَا وَتَوَقُّعِكُمَا أَنَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى، مَعَ أَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ فِي سَابِقِ أَزَلِهِ أَنَّ فِرْعَوْنَ لَا يَتَذَكَّرُ وَلَا يَخْشَى، فَمَعْنَى لَعَلَّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخَلْقِ، لَا إِلَى الْخَالِقِ - جَلَّ وَعَلَا -، الْمَعْنَى الثَّانِي: هُوَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ: كُلُّ لَعَلَّ فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ لِلتَّعْلِيلِ إِلَّا الَّتِي فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ [٢٦ \ ١٢٩] قَالَ: فَهِيَ بِمَعْنَى: كَأَنَّكُمْ تَخْلُدُونَ، وَإِتْيَانُ لَفْظَةِ لَعَلَّ لِلتَّعْلِيلِ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ مُوَضَّحًا مِرَارًا وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنْ شَوَاهِدِهِ الْعَرَبِيَّةِ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

فَقُلْتُمْ لَنَا كَفُّوا الْحُرُوبَ لَعَلَّنَا ... نَكُفُّ وَوَثَّقْتُمْ لَنَا كُلَّ مَوْثِقِ

يَعْنِي كَفُّوا الْحُرُوبَ لِأَجْلِ أَنْ نَكُفَّ، وَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ بَيَّنَ اللَّهُ فِيهَا أَنَّ تَسْخِيرَهُ الْأَنْعَامَ لِبَنِي آدَمَ نِعْمَةٌ مِنْ إِنْعَامِهِ، تَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ لِقَوْلِهِ: لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ.

فَاعْلَمْ: أَنَّهُ بَيَّنَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>