الْأُولَى: الَّتِي هِيَ كَوْنُهُ: أَنْزَلَهُ بِقَدَرٍ أَشَارَ إِلَيْهَا فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [١٥ \ ٢١] .
وَالثَّانِيَةُ: الَّتِي هِيَ إِسْكَانُهُ الْمَاءَ الْمُنَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ فِي الْأَرْضِ بَيَّنَهَا فِي قَوْلِهِ - جَلَّ وَعَلَا - أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ [٣٩ \ ٢١] وَالْيَنْبُوعُ: الْمَاءُ الْكَثِيرُ وَقَوْلُهُ: فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ [١٥ \ ٢٢] عَلَى مَا قَدَّمْنَا فِي الْحِجْرِ.
وَالثَّالِثَةُ: الَّتِي هِيَ قُدْرَتُهُ عَلَى إِذْهَابِهِ أَشَارَ لَهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ [٦٧] وَيُشْبِهُ مَعْنَاهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ [٥٦ \ ٧٠] ; لِأَنَّهُ إِذَا صَارَ مِلْحًا أُجَاجًا لَا يُمْكِنُ الشُّرْبُ مِنْهُ، وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهِ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ، وَقَدْ بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ إِنْزَالِهِ الْمَاءَ مِنَ السَّمَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ [٢٤ \ ٤٣] فَصَرَّحَ بِأَنَّ الْوَدْقَ الَّذِي هُوَ الْمَطَرُ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِ السَّحَابِ الَّذِي هُوَ الْمُزْنُ، وَهُوَ الْوِعَاءُ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ وَبَيَّنَ أَنَّ السَّحَابَةَ تَمْتَلِئُ مِنَ الْمَاءِ حَتَّى تَكُونَ ثَقِيلَةً لِكَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنَ الْمَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ الْآيَةَ [٧ \ ٥٧] فَقَوْلُهُ: ثِقَالًا جَمْعُ ثَقِيلَةٍ، وَثِقَلُهَا إِنَّمَا هُوَ بِالْمَاءِ الَّذِي فِيهَا وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ [١٣ \ ١٢] جَمْعُ سَحَابَةٍ ثَقِيلَةٍ.
وَهَذِهِ الْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ الْمَاءَ فِي الْمُزْنِ، ثُمَّ يُخْرِجُهُ مِنْ خِلَالِ السَّحَابِ، وَخِلَالُ الشَّيْءِ ثُقُوبُهُ وَفُرُوجُهُ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مَسْدُودَةٍ، وَبَيَّنَ - جَلَّ وَعَلَا - أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُهُ وَيُصَرِّفُهُ بَيْنَ خَلْقِهِ كَيْفَ يَشَاءُ، فَيُكْثِرُ الْمَطَرَ فِي بِلَادِ قَوْمٍ سَنَةً، حَتَّى يَكْثُرَ فِيهَا الْخِصْبُ وَتَتَزَايَدَ فِيهَا النِّعَمُ، لِيَبْتَلِيَ أَهْلَهَا فِي شُكْرِ النِّعْمَةِ، وَهَلْ يَعْتَبِرُونَ بِعِظَمِ الْآيَةِ فِي إِنْزَالِ الْمَاءِ، وَيُقِلُّ الْمَطَرَ عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ السِّنِينَ، فَتَهْلِكُ مَوَاشِيهِمْ مِنَ الْجَدْبِ وَلَا تَنْبُتُ زُرُوعُهُمْ، وَلَا تُثْمِرُ أَشْجَارُهُمْ، لِيَبْتَلِيَهُمْ بِذَلِكَ، هَلْ يَتُوبُونَ إِلَيْهِ، وَيَرْجِعُونَ إِلَى مَا يُرْضِيهِ.
وَبَيَّنَ أَنَّهُ مَعَ الْإِنْعَامِ الْعَامِّ عَلَى الْخَلْقِ بِإِنْزَالِ الْمَطَرِ بِالْقَدْرِ الْمُصْلِحِ وَإِسْكَانِ مَائِهِ فِي الْأَرْضِ لِيَشْرَبُوا مِنْهُ هُمْ، وَأَنْعَامُهُمْ، وَيَنْتَفِعُوا بِهِ أَبَى أَكْثَرُهُمْ إِلَّا الْكُفْرَ بِهِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا [٢٥ \ ٤٨ - ٥٠] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute