وَفِي الْآيَةِ دَلَّ مَا قَبْلَهَا عَلَيْهَا، انْتَهَى الْغَرَضُ مِنْ كَلَامِ أَبِي حَيَّانَ، وَلَا يَظْهَرُ عِنْدِي كُلَّ الظُّهُورِ.
بَلِ الْأَظْهَرُ عِنْدِي: هُوَ مَا قَدَّمْتُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَطِيَّةَ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، مِنْ أَنَّ الْكَافِرَ وَالْمُفَرِّطَ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمَا الْمَوْتُ طَلَبَا الرَّجْعَةَ إِلَى الْحَيَاةِ، لِيَعْمَلَا الْعَمَلَ الصَّالِحَ الَّذِي يُدْخِلُهُمَا الْجَنَّةَ، وَيَتَدَارَكَا بِهِ مَا سَلَفَ مِنْهُمَا مِنَ الْكُفْرِ وَالتَّفْرِيطِ وَأَنَّهُمَا لَا يُجَابَانِ لِذَلِكَ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَرْفُ الزَّجْرِ وَالرَّدْعِ الَّذِي هُوَ «كَلَّا» جَاءَ مُوَضَّحًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا الْآيَةَ [٦٣ \ ١٠ - ١١] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ [١٤ \ ٤٤] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَكَمَا أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ الرَّجْعَةَ عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ، لِيُصْلِحُوا أَعْمَالَهُمْ فَإِنَّهُمْ يَطْلُبُونَ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَا يُجَابُونَ إِلَى ذَلِكَ.
وَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [٧ \ ٥٣] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ [٣٢ \ ١٢] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [٦ \ ٢٧ - ٢٨] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ [٤٢ \ ٤٤] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ [٤٠ \ ١١] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [٣٥ \ ٣٧] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ الْآيَةَ [٣٤ \ ٥١ - ٥٣] ، وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَأَمْثَالُهَا فِي الْقُرْآنِ: أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ الرَّجْعَةَ فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute