للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُحْفَرُ لِلْمَرْأَةِ إِنْ كَانَ الزِّنَا ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ دُونَ الْإِقْرَارِ، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: بِأَنَّ الْمَرْجُومَ لَا يُحْفَرُ لَهُ بِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي قِصَّةِ رَجْمِ مَاعِزٍ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ فِي الْمُرَادِ مِنَ الْحَدِيثِ، قَالَ: فَمَا أَوْثَقْنَاهُ، وَلَا حَفَرْنَا لَهُ. . . الْحَدِيثَ، وَفِيهِ التَّصْرِيحُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: أَنَّهُمْ لَمْ يَحْفِرُوا لَهُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ:

فَمَا أَوْثَقْنَاهُ، وَلَا حَفَرْنَا لَهُ مَا نَصُّهُ: وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةُ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، وَذَكَرَ بَعْدَهُ فِي حَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا. أَمَّا قَوْلُهُ: فَمَا أَوْثَقْنَاهُ فَهَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَأَمَّا الْحَفْرُ لِلْمَرْجُومِ وَالْمَرْجُومَةِ فَفِيهِ مَذَاهِبُ لِلْعُلَمَاءِ.

قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمْ: لَا يُحْفَرُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا.

وَقَالَ قَتَادَةُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ: يُحْفَرُ لَهُمَا.

وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: يُحْفَرُ لِمَنْ يُرْجَمُ بِالْبَيِّنَةِ لَا مَنْ يُرْجَمُ بِالْإِقْرَارِ.

وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَقَالُوا: لَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ سَوَاءٌ ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ بِالْإِقْرَارِ.

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا:

أَحَدُهَا: يُسْتَحَبُّ الْحَفْرُ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، لِيَكُونَ أَسْتَرَ لَهَا.

وَالثَّانِي: لَا يُسْتَحَبُّ وَلَا يُكْرَهُ، بَلْ هُوَ إِلَى خِيَرَةِ الْإِمَامِ.

وَالثَّالِثُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ إِنْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِالْبَيِّنَةِ اسْتُحِبَّ، وَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ فَلَا، لِيُمْكِنَهَا الْهَرَبُ إِنْ رَجَعَتْ. فَمَنْ قَالَ بِالْحَفْرِ لَهُمَا احْتَجَّ بِأَنَّهُ حُفِرَ لِلْغَامِدِيَّةِ، وَكَذَا لِمَاعِزٍ فِي رِوَايَةٍ، وَيُجِيبُ هَؤُلَاءِ عَنِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي مَاعِزٍ أَنَّهُ لَمْ يُحْفَرْ لَهُ، أَنَّ الْمُرَادَ حَفِيرَةٌ عَظِيمَةٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ تَخْصِيصِ الْحَفِيرَةِ.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا يُحْفَرُ فَاحْتَجَّ بِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى: فَمَا أَوْثَقْنَاهُ، وَلَا حَفَرْنَا لَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّهُ مُنَابِذٌ لِحَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ وَلِرِوَايَةِ الْحَفْرِ لِمَاعِزٍ.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالتَّخْيِيرِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، فَيَحْمِلُ رِوَايَةَ الْحَفْرِ لِمَاعِزٍ عَلَى أَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ، وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ تَرَكَ الْحَفْرَ حَدِيثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>