للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَذْكُرْ تَغْرِيبَهَا، وَلِأَنَّهُمْ مَالٌ، وَفِي تَغْرِيبِهِمْ إِضْرَارٌ بِالْمَالِكِ، وَفِي الْحَدِيثِ «: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

تَنْبِيهٌ.

أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي: أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي التَّغْرِيبِ مِنْ مَسَافَةٍ تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ ; لِأَنَّهُ فِيمَا دُونَهَا لَهُ حُكْمُ الْحَاضِرِ بِالْبَلَدِ الَّذِي زَنَى فِيهِ.

وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا عِنْدِي أَنَّ الْمُغَرَّبَ يُسْجَنُ فِي مَحَلِّ تَغْرِيبِهِ ; لِأَنَّ السَّجْنَ عُقُوبَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى التَّغْرِيبِ، فَتَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْغَرِيبَ إِذَا زَنَى غُرِّبَ مِنْ مَحَلِّ زِنَاهُ إِلَى مَحَلٍّ آخَرَ غَيْرِ وَطَنِهِ الْأَصْلِيِّ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: اعْلَمْ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ أَصَابَ حَدًّا، وَلَمْ يُعَيِّنْ ذَلِكَ الْحَدَّ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، لِعَدَمِ التَّعْيِينِ وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ، لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، قَالَ: وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ، قَالَ: وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ، قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْ فِيَّ كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ «: أَلَيْسَ صَلَّيْتَ مَعَنَا» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ «: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ» ، أَوْ قَالَ «: حَدَّكَ» ، هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِمُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ نَحْوُهُ: وَهُوَ نَصٌّ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ وَلَمْ يُسَمِّهِ، لَا حَدَّ عَلَيْهِ كَمَا تَرَى، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: فِي حُكْمِ رُجُوعِ الزَّانِي الْمُقِرِّ بِالزِّنَى أَوْ رُجُوعِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ إِتْمَامِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ.

أَمَّا الزَّانِي الْمُقِرُّ بِزِنَاهُ إِذَا رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ، سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ، وَلَوْ رَجَعَ فِي أَثْنَاءِ إِقَامَةِ الْحَدِّ مِنْ جَلْدٍ أَوْ رَجْمٍ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَيَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَحَمَّادٌ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ قُدَامَةَ خِلَافَ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ ضَعِيفَةٌ.

وَالظَّاهِرُ لَنَا هُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ بِرُجُوعِهِ عَنْ إِقْرَارِهِ، وَلَوْ فِي أَثْنَاءِ إِقَامَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>