للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَصْرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْقَصْرُ مِنْ كَيْفِيَّتِهَا كَمَا ذَكَرْنَا، أَنَّ الْبُخَارِيَّ صَدَّرَ بَابَ صَلَاةِ الْخَوْفِ بِقَوْلِهِ: بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [٤ \ ١٠١، ١٠٢] ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ الْبُخَارِيَّ سَاقَ الْآيَتَيْنِ فِي التَّرْجَمَةِ ; لِيُشِيرَ إِلَى خُرُوجِ صَلَاةِ الْخَوْفِ عَنْ هَيْئَةِ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ بِالْكِتَابِ قَوْلًا، وَبِالسُّنَّةِ فِعْلًا، لَا يُنَافِي مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ سَاقَ الْآيَتَيْنِ فِي التَّرْجَمَةِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ قَصْرَ الْكَيْفِيَّةِ الْوَارِدَ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ هُوَ الْمُرَادُ بِقَصْرِ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّ قَصْرَ عَدَدِهَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْخَوْفُ، وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْصُرُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي السَّفَرِ وَهُمْ فِي غَايَةِ الْأَمْنِ، كَمَا وَقَعَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَغَيْرُهَا، وَكَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ مَكَّةَ: " أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ ".

وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَصْرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَصْرُ الْكَيْفِيَّةِ لَا الْكَمِّيَّةِ: مُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَالسُّدِّيُّ، نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ كَثِيرٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ الْحَنَفِيِّ. وَنَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ نَحْوَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَلَمَّا نَقَلَ ابْنُ كَثِيرٍ هَذَا الْقَوْلَ عَمَّنْ ذَكَرْنَا قَالَ: وَاعْتَضَدُوا بِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: " فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفْرِ وَالْحَضَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ ".

وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ التِّنِيسِيِّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ عَنْ قُتَيْبَةَ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ قَالُوا: " فَإِذَا كَانَ أَصْلُ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ اثْنَتَيْنِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْقَصْرِ هُنَا قَصْرَ الْكَمِّيَّةِ؟ لِأَنَّ مَا هُوَ الْأَصْلُ لَا يُقَالُ فِيهِ: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ.

وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ دَلَالَةً عَلَى هَذَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، وَسُفْيَانُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>