الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: اعْلَمْ أَنَّ الظَّاهِرَ فِيمَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ زَنَأْتَ بِالْهَمْزَةِ، أَنَّ الْقَاذِفَ إِنَّ كَانَ عَامِّيًّا لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُعْتَلِّ وَالْمَهْمُوزِ أَنَّهُ يُحَدُّ لِظُهُورِ قَصْدِهِ لِقَذْفِهِ بِالزِّنَى، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَقَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ بِقَوْلِي: زَنَأْتَ بِالْهَمْزَةِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيَّ، وَمَعْنَى زَنَأْتَ بِالْهَمْزَةِ: لَجَأْتَ إِلَى شَيْءٍ، أَوْ صَعِدْتَ فِي جَبَلٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيِّ يُرَقِّصُ ابْنَهُ حَكِيمًا وَهُوَ صَغِيرٌ:
أَشْبِهْ أَبَا أُمِّكَ أَوْ أَشْبِهْ حَمَلْ ... وَلَا تَكُونَنَّ كَهِلَّوْفٍ وَكَلْ
يُصْبِحُ فِي مَضْجَعِهِ قَدِ انْجَدَلْ ... وَارْقَ إِلَى الْخَيْرَاتِ زَنَأً فِي الْجَبَلْ
وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنْهُ قَوْلُهُ: زَنَأً فِي الْجَبَلِ أَيْ صُعُودًا فِيهِ، وَالْهِلَّوْفُ الثَّقِيلُ الْجَافِي الْعَظِيمُ اللِّحْيَةِ، وَالْوَكَلُ الَّذِي يَكِلُ أَمْرَهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَزَعَمَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ هَذَا الرَّجَزَ لِأُمِّ الصَّبِيِّ الْمَذْكُورِ تُرَقِّصُهُ بِهِ وَهِيَ مَنْفُوسَةُ ابْنَةُ زَيْدِ الْفَوَارِسِ، وَرَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْجَوْهَرِيِّ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ بَرِّيٍّ، وَرَوَاهُ هُوَ وَغَيْرُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، قَالَ: وَقَالَتْ أُمُّهُ تَرُدُّ عَلَى أَبِيهِ:
أَشْبِهْ أَخِي أَوْ أَشْبِهَنَّ أَبَاكَا ... أَمَّا أَبِي فَلَنْ تَنَالَ ذَاكَا
تَقْصُرُ أَنْ تَنَالَهُ يَدَاكَا
قَالَهُ فِي اللِّسَانِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: فَمَنْ نَفَى رَجُلًا عَنْ جَدِّهِ أَوْ عَنْ أُمِّهِ أَوْ نَسَبَهُ إِلَى شِعْبٍ غَيْرِ شِعْبِهِ، أَوْ قَبِيلَةٍ غَيْرِ قَبِيلَتِهِ، فَذَهَبَ مَالِكٌ: أَنَّهُ إِنْ نَفَاهُ عَنْ أُمِّهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهَا الزِّنَا، وَلَمْ يَنْفِ نَسَبَهُ عَنْ أَبِيهِ، وَإِنْ نَفَاهُ عَنْ جَدِّهِ لَزِمَهُ الْحَدُّ، وَلَا حَدَّ عِنْدَهُ فِي نِسْبَةِ جِنْسٍ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ أَبْيَضَ لِأَسْوَدَ، قَالَ فِي «الْمُدَوَّنَةِ» : إِنْ قَالَ لِفَارِسِيٍّ: يَا رُومِيُّ أَوْ يَا حَبَشِيُّ، أَوْ نَحْوَ هَذَا لَمْ يُحَدَّ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: اخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا، وَإِنِّي أَرَى أَلَّا حَدَّ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَقُولَ: يَا ابْنَ الْأَسْوَدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي آبَائِهِ أَسْوَدُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَأَمَّا إِنْ نَسَبَهُ إِلَى حَبَشِيٍّ ; كَأَنْ قَالَ: يَا ابْنَ الْحَبَشِيِّ وَهُوَ بَرْبَرِيٌّ، فَالْحَبَشِيُّ وَالرُّومِيُّ فِي هَذَا سَوَاءٌ، إِذَا كَانَ بَرْبَرِيًّا.
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَسَوَاءٌ قَالَ: يَا حَبَشِيُّ أَوْ يَا ابْنَ الْحَبَشِيِّ وَالرُّومِيِّ، أَوْ يَا ابْنَ الرُّومِيِّ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ، وَكَذَلِكَ عَنْهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، قَالَ الشَّيْخُ الْمَوَّاقُ: هَذَا مَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفَتْوَى عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ يُونُسَ، فَانْظُرْهُ أَنْتَ، اهـ.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ حَدِّ مَنْ نَسَبَ جِنْسًا إِلَى غَيْرِهِ هُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute