الْقُرْآنِيَّةِ; لِأَنَّ الزَّوْجَ الْقَاذِفَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [٢٤ \ ٤] ; وَلَكِنَّ اللَّهَ بَيَّنَ خُرُوجَ الزَّوْجِ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ بِشَهَادَاتِهِ، حَيْثُ قَالَ: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [٢٤ \ ٦ - ٧] ، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا مِنْ جَلْدِ ثَمَانِينَ، وَعَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَالْحُكْمِ بِالْفِسْقِ إِلَّا بِشَهَادَاتِهِ الَّتِي قَامَتْ لَهُ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ الْمُبَرِّئَةِ لَهُ مِنَ الْحَدِّ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ شَهَادَاتِهِ فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ تَدْرَأْ عَنْهُ أَرْبَعَةٌ عُدُولٌ يَشْهَدُونَ بِصِدْقِهِ، وَلَا شَهَادَاتٌ تَنُوبُ عَنِ الشُّهُودِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ، وَلَمْ يَأْتِ بِمَا يَدْفَعُ عَنْهُ حَدَّ الْقَذْفِ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ إِذَا نَكَلَتْ عَنْ أَيْمَانِهَا فَعَلَيْهَا الْحَدُّ ; لِأَنَّ اللَّهَ نَصَّ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَدْرَأُ عَنْهَا الْحَدَّ هُوَ شَهَادَاتُهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ الْآيَةَ، وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّ الزَّوْجَ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ إِنْ نَكَلَ عَنِ الشَّهَادَاتِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يُلَاعِنَ، أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ، فَيُقَامَ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ، ومَنْ قَالَ بِأَنَّهَا إِنْ شَهِدَ هُوَ، وَنَكَلَتْ هِيَ أَنَّهَا تُحَدُّ بِشَهَادَاتِهِ وَنُكُولِهَا: مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ ; كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ صَاحِبُ «الْمُغْنِي» .
وَهَذَا الْقَوْلُ أَصْوَبُ عِنْدَنَا ; لِأَنَّهُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ الْآيَةَ، وَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ إِلَّا لِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ: لَا حَدَّ عَلَيْهَا بِنُكُولِهَا عَنِ الشَّهَادَاتِ، وَتُحْبَسُ أَيْضًا حَتَّى تُلَاعِنَ أَوْ تُقِرَّ فَيُقَامُ عَلَيْهَا الْحَدُّ.
قَالَ فِي «الْمُغْنِي» : وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِحُجَجٍ يَرْجِعُ جَمِيعُهَا إِلَى أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ حَدِّهَا أَنَّ زِنَاهَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ثُبُوتُهُ ; لِأَنَّ شَهَادَاتِ الزَّوْجِ وَنُكُولَهَا هِيَ لَا يَتَحَقَّقُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا بِهِمَا مُجْتَمِعِينَ ثُبُوتُ الزِّنَى عَلَيْهَا.
وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَظْهَرُ عِنْدَنَا ; لِأَنَّ مَسْأَلَةَ اللِّعَانِ أَصْلٌ مُسْتَقِلٌّ لَا يَدْخُلُهُ الْقِيَاسُ عَلَى غَيْرِهِ، فَلَا يُعْدَلُ فِيهِ عَنْ ظَاهِرِ النَّصِّ إِلَى الْقِيَاسِ عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute