عَادَةً أَنَّهُ لَا يَسْكُتُ فِيهِ إِلَّا رَاضٍ عُدَّ رِضًى، وَإِلَّا فَلَا ; لِأَنَّ الْعُرْفَ مُحَكَّمٌ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: اعْلَمْ أَنَّهُ إِنْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا، وَقَذَفَهَا زَوْجُهَا بِالزِّنَى إِنْ كَانَ لِنَفْيِ نَسَبٍ يَلْحَقُ بِهِ فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي أَنَّهُ يُلَاعَنُ لِنَفْيِ النَّسَبِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ يُلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ وَلَكِنَّهُ قَذَفَهَا بِالزِّنَى، وَأَرَادَ اللِّعَانَ لِنَفْيِ الْحَدِّ عَنْهُ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهَا لَمَّا صَارَتْ يُلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا صَارَتْ فِي حُكْمِ الْفِرَاشِ، قَالَهُ مَالِكٌ فِي «الْمُدَوَّنَةِ» .
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُلَاعِنُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ زَوْجَتَهُ، لِأَنَّهَا صَارَتْ فِرَاشًا وَيَلْحَقُ النَّسَبُ فِيهِ مَجْرَى اللِّعَانِ فِيهِ، اهـ مِنْهُ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ إِنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ وَلَا يُلْحَقُ الْوَلَدُ فِيهِ أَنَّ الزَّوْجَ الْقَاذِفَ فِيهِ لَا يُمَكَّنُ مِنَ اللِّعَانِ، بَلْ يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ إِنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: اعْلَمْ أَنَّ أَظْهَرَ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي فِي الَّذِي يَقْذِفُ زَوْجَتَهُ الْحَامِلَ بِالزِّنَى، ثُمَّ يَأْتِي بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ عَلَى زِنَاهَا أَنَّ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِ الْحَمْلِ مَعَ الشُّهُودِ ; لِأَنَّ شَهَادَةَ الْبَيِّنَةِ لَا تُفِيدُ الزَّوْجَ إِلَّا دَرْأَ الْحَدِّ عَنْهُ، أَمَّا رَفْعُ الْفِرَاشِ وَنَفْيُ الْوَلَدِ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ اللِّعَانِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ لِلزَّوْجِ أَنْ يُلَاعِنَ مَعَ شُهُودِهِ؟ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يُلَاعِنُ كَانَ لَهُ شُهُودٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ; لِأَنَّ الشُّهُودَ لَيْسَ لَهُمْ عَمَلٌ فِي غَيْرِ دَرْءِ الْحَدِّ، وَأَمَّا رَفْعُ الْفِرَاشِ وَنَفْيُ الْوَلَدِ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ اللِّعَانِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: إِنَّمَا جُعِلَ اللِّعَانُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شُهُودٌ غَيْرَ نَفْسِهِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ اهـ مِنْهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا فِي تَفْسِيرِهِ: يَفْتَقِرُ اللِّعَانُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: عَدَدُ الْأَلْفَاظِ، وَهُوَ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَالْمَكَانُ: وَهُوَ أَنْ يُقْصَدَ بِهِ أَشْرَفُ الْبِقَاعِ بِالْبُلْدَانِ، إِنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَبَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَإِنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَعِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَإِنْ كَانَتْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَعِنْدَ الصَّخْرَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ فَفِي مَسَاجِدِهَا، وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ بُعِثَ بِهِمَا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَعْتَقِدَانِ تَعْظِيمَهُ، إِنْ كَانَا يَهُودِيَّيْنِ فَالْكَنِيسَةُ، وَإِنْ كَانَا مَجُوسِيَّيْنِ فَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute