وَفَارَقَ الْإِقْرَارُ بِالْقَذْفِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ بِهِ وَاحِدًا أَقَرَّ بِهِ فِي وَقْتَيْنِ بِلِسَانَيْنِ، انْتَهَى مِنَ «الْمُغْنِي» .
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِالشَّهَادَةِ هَلْ تُلَفَّقُ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ، أَوْ لَا تُلَفَّقُ؟ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ تُلَفَّقُ فِي الْأَقْوَالِ دُونَ الْأَفْعَالِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: تُلَفَّقُ فِيهِمَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَقَوْلُهُمْ: هُمَا قَذْفَانِ لَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ يُقَالُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ الْمُخْتَلِفُ وَقْتُهُ أَوْ لِسَانُهُ هُمَا إِقْرَارَانِ لَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا نَصَّ فِيهَا وَكُلٌّ مِنَ الْأَقْوَالِ فِيهَا لَهُ وَجْهٌ مِنَ النَّظَرِ، وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ وَعَدَمُ النَّصِّ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْحَدَّ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الْوَاحِدَةُ وَالْعِشْرُونَ: اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ لَنَا أَنَّهُ الصَّوَابُ أَنَّ مَنْ نَفَى حَمْلَ امْرَأَتِهِ بِلِعَانٍ أَنَّهُ يَنْتَفِي عَنْهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ لِعَانٌ آخَرُ بَعْدَ وَضْعِهِ، وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَقَوْلَ الْخِرَقِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ، فَلَا بُدَّ مِنَ اللِّعَانِ بَعْدَ الْوَضْعِ ; لِأَنَّ الْحَمْلَ قَبْلَ الْوَضْعِ غَيْرُ مُحَقَّقٍ ; لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ رِيحًا خِلَافَ التَّحْقِيقِ فِيمَا يَظْهَرُ لَنَا مِنَ انْتِفَاءِ الْحَمْلِ بِاللِّعَانِ، كَمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي «الْمُغْنِي» ، وَقِصَّةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَى عَنْهُ حَمْلَ امْرَأَتِهِ بِاللِّعَانِ، وَلَمْ يُلْزِمْهُ بِإِعَادَةِ اللِّعَانِ بَعْدَ الْوَضْعِ، وَالرِّوَايَةُ الَّتِي تُوهِمُ أَنَّ لِعَانَهُ كَانَ بَعْدَ الْوَضْعِ أَوْضَحْنَا الْجَوَابَ عَنْهَا فِيمَا تَقَدَّمَ بِمَا أَجَابَ بِهِ عَنْهَا ابْنُ حَجَرٍ فِي «الْفَتْحِ» ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: فِي حُكْمِ مَنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِاللِّوَاطِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا فِي سُورَةِ «هُودٍ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قِصَّةِ قَوْمِ لُوطٍ أَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي عُقُوبَةِ اللَّائِطِ وَبَيَّنَّا أَنَّ أَقْوَاهَا دَلِيلًا قَتْلُ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَا حَدَّ بِالْقَذْفِ بِاللِّوَاطِ وَإِنَّمَا فِيهِ التَّعْزِيرُ، وَذَكَرْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ اللِّوَاطَ حُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنَى وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يُلَاعِنُ الْقَاذِفُ بِاللِّوَاطِ، وَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ اللِّعَانِ حُدَّ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ: فِي حُكْمِ مَنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ وَلَدًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، فَإِنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُهُ وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى نَفْيِهِ بِلِعَانٍ ; لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute