للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقِصَّةُ الْإِفْكِ مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ ثَابِتَةٌ فِي عَشْرِ آيَاتٍ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ، وَفِي الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ بَرَاءَةُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ، حَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَلَّا يُنْفِقَ عَلَى مِسْطَحٍ، وَلَا يَنْفَعَهُ بِنَافِعَةٍ بَعْدَ مَا رَمَى عَائِشَةَ بِالْإِفْكِ ظُلْمًا وَافْتِرَاءً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَيْ: لَا يَحْلِفْ، فَقَوْلُهُ: «يَأْتَلِ» وَزْنُهُ يَفْتَعِلُ مِنَ الْأَلِيَّةِ وَهِيَ الْيَمِينُ، تَقُولُ الْعَرَبُ آلَى يُؤْلِي وَائْتَلَى يَأْتَلِي إِذَا حَلَفَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ [٢ \ ٢٢٦] ، أَيْ: يَحْلِفُونَ مُضَارِعُ آلَى يُؤْلِي إِذَا حَلَفَ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

وَيَوْمًا عَلَى ظَهْرِ الْكَثِيبِ تَعَذَّرَتْ ... عَلَيَّ وَآلَتْ حَلْفَةً لَمْ تَحَلَّلْ

أَيْ حَلَفَتْ حَلْفَةً، وَقَوْلُ عَاتِكَةَ بِنْتِ زَيْدٍ الْعَدَوِيَّةِ تَرْثِي زَوْجَهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -:

فَآلَيْتُ لَا تَنْفَكُّ عَيْنِي حَزِينَةً ... عَلَيْكَ وَلَا يَنْفَكُّ جِلْدِيَ أَغْبَرَا

وَالْأَلِيَّةُ الْيَمِينُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ يَمْدَحُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ:

قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ ... وَإِنْ سَبَقَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتِ

أَيْ: لَا يَحْلِفُ أَصْحَابُ الْفَضْلِ وَالسِّعَةِ، أَيِ: الْغِنَى كَأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ، وَقَوْلُهُ: أَنْ يُؤْتُوا، أَيْ: لَا يَحْلِفُوا عَنْ أَنْ يُؤْتُوا، أَوْ لَا يَحْلِفُوا أَلَّا يُؤْتُوا وَحَذْفُ حَرْفِ الْجَرِّ قَبْلَ الْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ مِنْ أَنْ وَصْلَتِهِمَا مُطَّرِدٌ. وَكَذَلِكَ حَذْفُ لَا النَّافِيَةِ قَبْلَ الْمُضَارِعِ بَعْدَ الْقَسَمِ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ هُنَا كَوْنُ الْقَسَمِ مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَمَفْعُولُ يُؤْتُوا الثَّانِي مَحْذُوفٌ، أَيْ: أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى النَّفَقَةَ وَالْإِحْسَانَ، كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: قَوْلُهُ: وَلَا يَأْتِلِ، أَيْ: لَا يُقَصِّرُ أَصْحَابُ الْفَضْلِ، وَالسِّعَةِ كَأَبِي بَكْرٍ فِي إِيتَاءِ أُولَى الْقُرْبَى كَمِسْطَحٍ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ يَأْتَلِ يَفْتَعِلُ مِنْ أَلَا يَأْلُو فِي الْأَمْرِ إِذَا قَصَّرَ فِيهِ وَأَبْطَأَ.

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا

<<  <  ج: ص:  >  >>