للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صِيغَةَ الِاسْتِئْذَانِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهَا أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَأْذِنُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ انْصَرَفَ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي قِصَّةِ عُمَرَ مَعَ أَبِي مُوسَى فِي الصَّحِيحِ فِي سِيَاقِهَا تَغَايُرٌ ; لِأَنَّ فِي بَعْضِهَا: أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَى أَبِي مُوسَى بَعْدَ انْصِرَافِهِ، فَرَدَّهُ مِنْ حِينِهِ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِهِ إِلَّا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَجَمَعَ بَيْنَهَا ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ قَالَ: وَظَاهِرُ هَذَيْنِ السِّيَاقَيْنِ التَّغَايُرُ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى عُمَرَ إِلَّا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَفِي الثَّانِي أَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ إِلَى أَنْ قَالَ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا: بِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الشُّغْلِ الَّذِي كَانَ فِيهِ تَذَكَّرَهُ فَسَأَلَ عَنْهُ فَأُخْبِرَ بِرُجُوعِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَجِدْهُ الرَّسُولُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَجَاءَ هُوَ إِلَى عُمَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، اهـ. مِنْهُ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

تَنْبِيهَاتٌ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

الْأَوَّلُ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَأْذِنَ إِنْ تَحَقَّقَ أَنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ سَمِعُوهُ لَزِمَهُ الِانْصِرَافُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ ; لِأَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوهُ، وَلَمْ يَأْذَنُوا لَهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ الْإِذْنِ، وَقَدْ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ عَدَمَ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثَّلَاثِ مُطْلَقًا، وَكَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَدْرِ هَلْ سَمِعُوهُ أَوْ لَا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الِانْصِرَافُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ، كَمَا أَوْضَحْنَا أَدِلَّتَهُ وَلَمْ يُقَيَّدْ شَيْءٌ مِنْهَا بِعِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ سَمِعُوهُ.

التَّنْبِيهُ الثَّانِي: اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ لَنَا رُجْحَانُهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ، أَنَّهُ إِنْ عَلِمَ أَنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ، لَمْ يَسْمَعُوا اسْتِئْذَانَهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّالِثَةِ، بَلْ يَنْصَرِفُ بَعْدَهَا لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَعَدَمِ تَقْيِيدِ شَيْءٍ مِنْهَا بِكَوْنِهِمْ لَمْ يَسْمَعُوهُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَهُ الزِّيَادَةَ، وَمَنْ فَصَّلَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: أَمَّا إِذَا اسْتَأْذَنَ ثَلَاثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ أَشْهَرُهَا أَنَّهُ يَنْصَرِفُ، وَلَا يُعِيدُ الِاسْتِئْذَانَ. وَالثَّانِي: يَزِيدُ فِيهِ. وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَ بِلَفْظِ الِاسْتِئْذَانِ الْمُتَقَدِّمِ لَمْ يُعِدْهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ أَعَادَهُ، فَمَنْ قَالَ بِالْأَظْهَرِ فَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ": فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ " وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى مَنْ عَلِمَ، أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ سَمِعَهُ، فَلَمْ يَأْذَنْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالصَّوَابُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ عَدَمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ ; لِأَنَّهُ ظَاهِرُ النُّصُوصِ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ ظَاهِرِ النَّصِّ إِلَّا بِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>