قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [٣٣ \ ٣٥] ، وَأَوْضَحَ تَأْكِيدَ حِفْظِ الْفَرْجِ عَنِ الزِّنَى فِي آيَاتٍ أُخَرَ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [١٧ \ ٣٢] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ الْآيَةَ [٢٥ \ ٦٨ - ٧٠] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَأَوْضَحَ لُزُومَ حِفْظِ الْفَرْجِ عَنِ اللِّوَاطِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ عُدْوَانٌ فِي آيَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فِي قِصَّةِ قَوْمِ لُوطٍ ; كَقَوْلِهِ: أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ [٢٦ \ ١٦٥ - ١٦٦] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ [٢٩ \ ٢٨ - ٢٩] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَقَدْ أَوْضَحْنَا كَلَامَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَدِلَّتَهُمْ فِي عُقُوبَةِ فَاعِلِ فَاحِشَةِ اللِّوَاطِ فِي سُورَةِ «هُودٍ» ، وَعُقُوبَةَ الزَّانِي فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَ بِحِفْظِ الْفَرْجِ يَتَنَاوَلُ حِفْظَهُ مِنَ انْكِشَافِهِ لِلنَّاسِ، وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: وَحِفْظُ الْفَرْجِ تَارَةً يَكُونُ بِمَنْعِهِ مِنَ الزِّنَى ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ الْآيَةَ [٢٣ \ ٥] ، وَتَارَةً يَكُونُ بِحِفْظِهِ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالسُّنَنِ «: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ» ، اهـ مِنْهُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ: مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَالْمُرَادُ غَضُّ الْبَصَرِ عَمَّا يَحْرُمُ، وَالِاقْتِصَارُ بِهِ عَلَى مَا يَحِلُّ، وَجَوَّزَ الْأَخْفَشُ أَنْ تَكُونَ مَزِيدَةً، وَأَبَاهُ سِيبَوَيْهِ، فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ دَخَلَتْ فِي غَضِّ الْبَصَرِ دُونَ حِفْظِ الْفَرْجِ؟ قُلْتُ: دَلَالَةً عَلَى أَنَّ أَمْرَ النَّظَرِ أَوْسَعُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَحَارِمَ لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَى شُعُورِهِنَّ، وَصُدُورِهِنَّ، وَثُدِيِّهِنَّ، وَأَعْضَادِهِنَّ، وَأَسْوُقِهِنَّ، وَأَقْدَامِهِنَّ، وَكَذَلِكَ الْجَوَارِي الْمُسْتَعْرَضَاتُ، وَالْأَجْنَبِيَّةُ يُنْظَرُ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَقَدَمَيْهَا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَأَمَّا أَمْرُ الْفَرْجِ فَمُضَيَّقٌ، وَكَفَاكَ فَرْقًا أَنْ أُبِيحَ النَّظَرَ إِلَّا مَا اسْتُثْنِيَ مِنْهُ، وَحُظِرَ الْجِمَاعُ إِلَّا مَا اسْتُثْنِيَ مِنْهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مَعَ حِفْظِهَا مِنَ الْإِفْضَاءِ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ حِفْظُهَا عَنِ الْإِبْدَاءِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute