للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمِنْ أَمْثِلَةِ تَعَدِّي الْغَضِّ بِـ مِنْ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنَ الْأَمْرِ بِغَضِّ الْبَصَرِ قَدْ جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى تَهْدِيدُ مَنْ لَمْ يَمْتَثِلْهُ، وَلَمْ يَغُضَّ بَصَرَهُ عَنِ الْحَرَامِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ [٤٠ \ ١٩] .

وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ، لِلْحَسَنِ: إِنَّ نِسَاءَ الْعَجَمِ يَكْشِفْنَ صَدْرَهُنَّ وَرُءُوسَهُنَّ، قَالَ: اصْرِفْ بَصَرَكَ عَنْهُنَّ، يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ قَالَ قَتَادَةُ: عَمًّا لَا يَحِلُّ لَهُمْ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ النَّظَرُ إِلَى مَا نُهِيَ عَنْهُ، اهـ مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.

وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ فِيهِ الْوَعِيدُ لِمَنْ يَخُونُ بِعَيْنِهِ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ، وَهَذَا الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَتَانِ مِنَ الزَّجْرِ عَنِ النَّظَرِ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ.

مِنْهَا: مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «: إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ «: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ» ، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ «: غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ» ، انْتَهَى، هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي «صَحِيحِهِ» .

وَمِنْهَا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: أَرْدَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ يَوْمَ النَّحْرِ خَلْفَهُ عَلَى عَجُزِ رَاحِلَتِهِ، وَكَانَ الْفَضْلُ رَجُلًا وَضِيئًا فَوَقَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلنَّاسِ يُفْتِيهِمْ، وَأَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ وَضِيئَةٌ تَسْتَفْتِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَأَعْجَبَهُ حُسْنُهَا، فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَأَخْلَفَ بِيَدِهِ، فَأَخَذَ بِذَقَنِ الْفَضْلِ فَعَدَلَ وَجْهَهُ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهَا، الْحَدِيثَ.

وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنْهُ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرَفَ وَجْهَ الْفَضْلِ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ نَظَرَهُ إِلَيْهَا لَا يَجُوزُ، وَاسْتِدْلَالُ مَنْ يَرَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ الْكَشْفَ عَنْ وَجْهِهَا بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ بِكَشْفِ الْخَثْعَمِيَّةِ وَجْهَهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْجَوَابُ عَنْهُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>