هَذَا الْقَوْلِ، وَهِيَ أَنَّ الزِّينَةَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، هِيَ مَا تَتَزَيَّنُ بِهِ الْمَرْأَةُ مِمَّا هُوَ خَارِجٌ عَنْ أَصْلِ خِلْقَتِهَا: كَالْحُلِيِّ، وَالْحُلَلِ. فَتَفْسِيرُ الزِّينَةِ بِبَعْضِ بَدَنِ الْمَرْأَةِ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَلَا يَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، إِلَّا بِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: الزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ: الْوَجْهُ، وَالْكَفَّانِ خِلَافُ ظَاهِرِ مَعْنَى لَفْظِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ، فَلَا يَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا نَوْعُ الْبَيَانِ الثَّانِي الْمَذْكُورِ، فَإِيضَاحُهُ: أَنَّ لَفْظَ الزِّينَةِ يَكْثُرُ تَكَرُّرُهُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ مُرَادًا بِهِ الزِّينَةُ الْخَارِجَةُ عَنْ أَصْلِ الْمُزَيَّنِ بِهَا، وَلَا يُرَادُ بِهَا بَعْضُ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُزَيَّنِ بِهَا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [٧ \ ٣١] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ [٧ \ ٣٢] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا [١٨ \ ٧] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا [٢٨ \ ٦٠] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ [٣٧ \ ٦] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً الْآيَةَ [١٦ \ ٨] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ الْآيَةَ [٢٨ \ ٧٩] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الْآيَةَ [١٨ \ ٤٦] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ الْآيَةَ [٥٧ \ ٢٠] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ [٢٠ \ ٥٩] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ قَوْمِ مُوسَى: وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ [٢٠ \ ٨٧] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [٢٤ \ ٣١] ، فَلَفْظُ الزِّينَةِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ كُلِّهَا يُرَادُ بِهِ مَا يُزَيَّنُ بِهِ الشَّيْءُ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ، كَمَا تَرَى، وَكَوْنُ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْغَالِبُ فِي لَفْظِ الزِّينَةِ فِي الْقُرْآنِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الزِّينَةِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ يُرَادُ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى، الَّذِي غَلَبَتْ إِرَادَتُهُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ; كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
يَأْخُذْنَ زِينَتَهُنَّ أَحْسَنَ مَا تَرَى ... وَإِذَا عَطَلْنَ فَهُنَّ خَيْرُ عَوَاطِلِ
وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ تَفْسِيرَ الزِّينَةِ فِي الْآيَةِ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، فِيهِ نَظَرٌ.
وَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالزِّينَةِ فِي الْقُرْآنِ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ مِمَّا هُوَ خَارِجٌ عَنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَأَنَّ مَنْ فَسَّرُوهَا مِنَ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلَيْنِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ زِينَةٌ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّظَرُ إِلَيْهَا رُؤْيَةَ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِ الْمَرْأَةِ كَظَاهِرِ الثِّيَابِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ زِينَةٌ يَسْتَلْزِمُ النَّظَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute