للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي «صِحَاحِهِ» ، وَالْمَسَكُ بِفَتْحَتَيْنِ: جَمْعُ مَسَكَةٍ.

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: الْمَسَكُ أَسْوِرَةٌ مِنْ عَاجٍ أَوْ قُرُونٍ أَوْ ذَبَلٍ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مِنَ الذَّهَبِ، وَلَا الْفِضَّةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ «التَّوْبَةِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ الْآيَةَ [٩ \ ٣٤] ، فِي مَبْحَثِ زَكَاةِ الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهَا ابْنَتُهَا وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، الْحَدِيثَ. وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسَكَةَ تَكُونُ مِنَ الذَّهَبِ، كَمَا تَكُونُ مِنَ الْعَاجِ، وَالْقُرُونِ، وَالذَّبَلِ، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ خِلَافًا لِكَلَامِ كَثِيرٍ مِنَ اللُّغَوِيِّينَ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْمَسَكَ لَا يَكُونُ مِنَ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْقِلَادَةُ مَعْرُوفَةٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الْآدَابِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَكَانَ التَّقْصِيرُ فِي امْتِثَالِ تِلْكَ الْأَوَامِرِ قَدْ يَحْصُلُ عِلْمُ خَلْقِهِ مَا يَتَدَارَكُونَ بِهِ، مَا وَقَعَ مِنْهُمْ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ، وَاجْتِنَابِ النَّهْيِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالتَّوْبَةِ، وَهِيَ الرُّجُوعُ عَنِ الذَّنْبِ، وَالْإِنَابَةُ إِلَى اللَّهِ بِالِاسْتِغْفَارِ مِنْهُ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ:

الْأَوَّلُ: الْإِقْلَاعُ عَنِ الذَّنْبِ إِنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِهِ.

وَالثَّانِي: النَّدَمُ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ.

وَالثَّالِثُ: النِّيَّةُ أَلَّا يَعُودَ إِلَى الذَّنْبِ أَبَدًا، وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا الظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَالتَّوْبَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ، مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ اقْتَرَفَهُ، وَتَأْخِيرُهَا لَا يَجُوزُ فَتَجِبُ مِنْهُ التَّوْبَةُ أَيْضًا.

وَقَوْلُهُ: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ قَدْ قَدَّمْنَا مِرَارًا أَنَّ أَشْهَرَ مَعَانِي لَعَلَّ فِي الْقُرْآنِ اثْنَانِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهَا عَلَى بَابِهَا مِنَ التَّرَجِّي، أَيْ: تُوبُوا إِلَى اللَّهِ رَجَاءَ أَنْ تُفْلِحُوا، وَعَلَى هَذَا فَالرَّجَاءُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَبْدِ، أَمَّا اللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - فَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، فَلَا يَجُوزُ فِي حَقِّهِ إِطْلَاقُ الرَّجَاءِ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ تَعَالَى لِمُوسَى وَهَارُونَ فِي مُخَاطَبَةِ فِرْعَوْنَ: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [٢٠ \ ٤٤]

<<  <  ج: ص:  >  >>